الشيخ محمد امين الزعبي
بسم الله الرحمن الرحيم
أهلا وسهلا بكم في منتدى الشيخ محمد أمين الزعبي
الشيخ محمد امين الزعبي
بسم الله الرحمن الرحيم
أهلا وسهلا بكم في منتدى الشيخ محمد أمين الزعبي
الشيخ محمد امين الزعبي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشيخ محمد امين الزعبي

خطب دينية -صوتيات- فتاوى - تفسير وشرح القرآن الكريم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير سورة الأعراف -3-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد الزعبي
المدير العام للموقع



المساهمات : 694
تاريخ التسجيل : 11/04/2008

تفسير سورة الأعراف -3- Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الأعراف -3-   تفسير سورة الأعراف -3- I_icon_minitimeالجمعة أغسطس 04, 2017 9:51 pm

تفسير سورة الأعراف.
الآيات /65/66/67/68/69/.
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ(65) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ(66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ(67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ(68) أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(69)}.
شرح الكلمات:
{وإلى عاد}: أي ولقد أرسلنا إلى عاد وهم قبيلة عاد، وعاد أبو القبيلة وهو عاد بن عوص ابن إرم بن سام بن نوح عليه السلام.
{أخاهم هوداً }: أخاهم في النسب لا في الدين. وهود هو هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام ابن نوح عليه السلام.
{أفلا تتقون}: أي أتصرّون على الشرك فلا تتَّقون عذاب الله بالإيمان به وتوحيده، والاستفهام إنكاري أي ينكر عليهم عدم تقواهم لله عز وجل.
{في سفاهة} : السفاهة كالسّفَه وهو خِفّة العقل، وقلّة الإدراك والحلم.
{أمين}: لا أخونكم ولا أغشكم ولا أكْذِبُكم، كما أني مأمون على رسالتي لا أفرط في إبلاغها.
{ بسطة } : أي طولاً في الأجسام، إذ كانوا عمالق من عظم ص أجسادهم وطولها.
{آلاء الله }: نعمه واحدها أَلىً وإلىً واْليٌ وإلْوٌ والجمع آلاء.
{تفلحون}: بالنجاة من النار في الآخرة، والهلاك في الدنيا.
معنى الآيات:
هذا هو القصص الثاني، قَصَصُ هود عليه السلام مع قومه عاد الأولى التي أهلكها الله تعالى بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام. قوله تعالى :{وإلى عاد}عاد: آمّة عظيمة كانوا أكثر من عشر قبائل، ومنازلهم كانت ببلاد العرب من حضرموت والشّحر إلى عُمان، وعاد اسم القبيلة وصرف لأنّه ثلاثي ساكن الوسط كهند ودعد. أي وأرسلنا إلى قبيلة :{وإلى عاد}عاد أخاهم من النسب هوداً فماذا قال لهم :{قال يا قوم اعبدوا الله} أي وحدوه في العبادة ولا تعبدوا معه آلهة أخرى.
وقوله: {مالكم من إله غيره} أي ليس لكم أي إله غير الله، إذ الله هو الإله الحق وما عداه فآلهة باطلة، لأنه تعالى يخلق وهم لا يخلقون.
ويرزق وهم لا يرزقون ويدبر الحياة بكل ما فيها وهم مدبَّرون لا يملكون نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً فكيف يكونون آلهة.
ثم حضهم على التقوى وأنكر عليهم تركهم لها فقال عليه السلام لهم : {أفلا تتقون} أي الله ربّكم فتتركوا الشرك وتوحدوه؟
فأجاب الملأ الذين كفروا من قومه، بأسوأ إجابة وذلك لكبريائهم واغترارهم فقالوا: {إنا لنراك في سفاهة} أي حمق وطيش وعدم بصيرة بالحياة وإلا كيف تخرج عن إجماع قومك، وتواجههم بعيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، {وإنا لنظنك من الكاذبين} فيما جئت به أي من الرسالة، ودعوت إليه من التوحيد ونبذ الآلهة غير الله تعالى، فأجاب هود عليه السلام راداً شبهتهم فقال: {يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين}
أي أني لست كما تزعمون أن بي سفاهة ولكني أحمل رسالة أبلغكموها، وأنا في ذلك ناصح لكم مريد لكم الخير أمين على وحي الله تعالى إلي، أمين لا أغشكم ولا أخونكم فما أريد لكم إلا الخير.
ثم واصل دعوته فقال: {أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربَّكم} أي أكذبتم برسالاتي وعجبتم من مجيئكم ذكر من ربكم {على رجل منكم لينذركم} أي عواقب كفركم وشرككم، أمن مثل هذا يتعجب العقلاء أم أنتم لا تعقلون؟.
ثم ذكرهم بنعم الله تعالى عليهم لعلّها تُحدْثُ لهم ذكراً في نفوسهم فيتراجعون بعد عنادهم وإصرارهم فقال:
{واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} أي بعد أن أهلكهم بالطوفان لإصرارهم على الشرك {وزادكم في الخلق بسطة} أي جعل أجسامكم قوية وقاماتكم طويلة هذه نعم الله عليكم
{فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون} لأنكم إن ذكرتموها بقلوبكم شكرتموها بأقوالكم وأعمالكم، وبذلك يتم الفلاح لكم، وهو نجاتكم من المرهوب وظفركم بالمحبوب وذلك هو الفوز المطلوب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- الدعوة إلى عبادة الله وترك عبادة ما سواه وهو معنى لا إله إلا الله.
2- مشروعية دفع الإتهام، وتبرئة الإنسان نفسه مما يتهم به من الباطل.
3- من وظائف الرسل عليهم السلام البلاغ لما أمروا بإبلاغه.
4- فضيلة النصح وخُلُق الأمانة.
5- استحسان التذكير بالنعم فإن ذلك موجب للشكر والطاعة.
// الأمين: هو الموصوف بالأمانة، والأمانة أعز أوصاف البشر وفي الحديث "لا إيمان لمن لا أمانة له" ويروى: "لمن لا أمان له".
// الخلفاء: جمع خليفة وهو الذي يخلف غيره في شيء أي: يتولى العمل الذي كان يقوم به الآخر، كما يجمع خليفة على خلائف.
// ويجوز بصطة: بالصاد أي طولاً في الأجسام قيل كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعاً، فالزيادة كانت على خلق من قبلهم، وذكر القرطبي أموراً عجباً لا يحسن ذكرها.
// الآلاء: مفرده إلي ويعرف فيقال الإلي وهو: النعمة وهو على وزن عِنَب وأعناب ونظيره إن أي: الوقت والجمع آناء قال تعالى: {ومن آناء الليل فسبّح} الخ.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
‏السبت, ‏26 ‏جمادى الثانية, ‏1438
تفسير سورة الأعراف.
الآيات /70/71/72/.
{قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ(71) فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ(72)}.
شرح الكلمات:
{ونذر }: أي نترك.
{بما تعدنا }: أي من العذاب.
{رجس }: سخطٌ موجبٌ للعذاب.
{أتجادلونني}: أي أتخاصمونني.
{أتجادلونني في أسماء } أي: في الأصنام التي أطلقوا عليها أسماء كاللاّت، والعزّى ومناة عند قريش ومشركي العرب، فأطلق الاسم وأريد به المسمَّى.
{من سلطان}: أي من حجّة ولا برهان يثبت أنها تستحق العبادة.
{دابر}: دابر القوم آخرهم، لأنه إذا هلك آخر القوم هلك أولهم بلا ريب.
معنى الآيات:
مازال السياق في قصص هود عليه السلام، فهاهم أولاء يردُّون على دعوة هود بقول الملأ منهم {أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا} وتهددنا إن نحن لم نترك عبادة آلهتنا، {فأتنا بما تعدنا} به من العذاب {إن كنت من الصَّادقين} في دعواك فرد هود عليه السلام على قولهم هذا قائلاً قد وقع عليكم رجس أي سخط وغضب من الله تعالى وأن عذابكم لذلك أصبح متوقعاً في كل يوم فاضطروا ما سَيَحِلُّ بكم {إني معكم من المنتظرين} قال تعالى {فأنجيناه5 والذين معه برحمة منّا} أي بعد إنزال العذاب، ومن معه من المؤمنين برحمة منا خاصة لا تتم إلا لمثلهم، {وقطعنا دابر القوم الذين كذبوا بآياتنا، وما كانوا مؤمنين} أهلكناهم بخارقة ريح تدمر كل شيء بأمر بها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم، وكذلك جزاء الظالمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- احتجاج المشركين على صحَّة باطلهم بفعل آبائهم وأجدادهم يكاد يكون سنّةً مطَّردةً في الأمم والشعوب، وهو التقليد المذموم.
2- من حمق الكافرين استعجالهم بالعذاب، ومطالبتهم به.
3- آلهة الوثنيين مجرّد أسماء لا حقائق لها إذ إطلاق المرء اسم إله على حجر لا يجعله إلهاً ينفع ويضر، ويحيى ويميت.
4- قدرة الله تعالى ولطفه تتجلَّى في إهلاك عاد وإنجاء هود والمؤمنين.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
‏الأحد, ‏27 ‏جمادى الثانية, ‏1438
تفسير سورة الأعراف.
الآيات /73/74/75/76/.
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73) وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ(74) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ(75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(76)}.
شرح الكلمات:
{وإلى ثمود}: أي أرسلنا إلى ثمود، وثمود قبيلة سميت باسم جدها وهو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح.
{أخاهم صالحاً}: أي في النسب وصالح هو صالح بن عبيد بن آسف كاشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود.
{آية }: علامة على صدقي في أني رسول الله إليكم.
{ وبوأكم في الأرض }: أنزلكم فيها منازل تحبون فيها.
{وتنحتون }: تنجرون الحجارة في الجبال لتتخذوا منازل لكم لتسكنوها.
{آلاء الله }: نعم الله تعالى وهي كثيرة.
{ولا تعثوا}: أي لا تفسدوا في الأرض مفسدين.
{استكبروا}: عتوا وطغوا وتكبروا فلم يقبلوا الحق ولم يعترفوا به.
معنى الآيات:
هذا القصص الثالث قصص نبي الله صالح عليه السلام قال تعالى :
{وإلى ثمود أخاهم صالحاً} أي وأرسلنا إلا قبيلة ثمود أخاهم صالحاً نبياً أرسلناه بما أرسلنا به رسلنا من قبله ومن بعده بكلمة التوحيد
{قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره} وهذا مدلول كلمة الإخلاص التي جاء بها خاتم الأنبياء "لا إله إلا الله "
{ قد جاءتكم بينة من ربكم} تشهد بأنه لا إله إلا هو، وأني رسوله إليكم، هذه البينة ناقة تخرج من صخرة في جبل،
{هذه ناقة الله لكم آية} علامة وأية علامة على صدقي في إرسال الله تعالى لي رسولاً إليكم لتعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئاً، فذروا هذه الناقة تأكل في أرض الله {ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} ، فكانت الناقة ترعى في المرج، وتأتي إلى ماء القوم فتشربه كله، ويتحول في بطنها إلى لبن خالص فيَحْلِبون ما شاءوا وقال لهم يوماً هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم، ووعظهم عليه السلام بقوله:
{واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد} أي بعد هلاكهم، وكانت ديار عاد بحضرموت جنوب الجزيرة العربية وديار ثمود بالحجر شمال الجزيرة بين الحجاز والشام.
وقوله {وبوأكم في الأرض} أرض الحِجْر تتخذون من سهولها قصوراً تسكنونها في الصيف، وتنحتون من الجبال بيوتاً تسكنونها في الشتاء، {فاذكروا آلاء الله} أي نعمه العظيمة لتشكروها بعبادته وحده دون ما أتخذتم من أصنام، وحذَّرهم من عاقبة الفساد فقال :
{ولا تَعْثَوْا في الأرض مفسدين} أي لا تنشروا الفساد في الأرض بالشرك وارتكاب المعاصي وإزاء هذه الدعوة الصادقة الهادفة إلى هداية القوم وإصلاحهم لينجوا من عاقبة الشرك والشر والفساد
{قال الملأ الذين استكبروا من قومه} أي قوم صالح، قالوا {للذين استضعفوا لمن آمن منهم} أي لمن آمن من ضعفاء القوم: {أتعلمون أن صالحاً مرسلٌ من ربه}، وهو استفهام سخرية واستهزاء دال على صلف القوم وكبريائهم، فأجاب المؤمنون من ضعفة القوم قائلين :
{إنا بما أرسل به مؤمنون} قالوها واضحةً صريحةً مُعْلنةً عن إيمانهم بما جاء به رسول الله صالح عليه السلام غير خائفين، وهنا ردٌ المستكبرون قائلين: {إنا بالذي آمنتم به كافرون} وإمعاناً منهم في الجحود والتكبّر، لم يقولوا إنا بما أرسل به كافرون حتى لا يعترفوا بالرسالة ولو في جواب رد الكلام فقالوا :{إنا بالذي آمنتم به كافرون}.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- اتحاد دعوة الرسل في الإيمان بالله والكفر بالطاغوت أي في عبادة الله وحده.
2- تقرير إرسال الرسل بالآيات وهي المعجزات وآية صالح أعجب آية وهي الناقة.
3- وجوب التذكير بنعم الله إذ هو الباعث على الشكر، والشكر هو الطاعة.
4- النهي عن الفساد في الأرض والشرك وارتكاب المعاصي.
5- الضعفة هم غالباً أتباع الأنبياء: وذلك لخلوهم من الموانع كالمحافظة على المنصب أو الجاه أو المال، وعدم إنغماسهم في الملاذ والشهوات.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
‏الإثنين, ‏28 ‏جمادى الثانية, ‏1438
تفسير سورة الأعراف.
الآيات /77/78/79/.
{فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) }.
شرح الكلمات:
{فعقروا الناقة }: نحروها بعد أن عقروا قوائمها أي قطعوها، والناقة هي الآية.
{وعتوا عن أمر ربهم }: تمردوا عن الأمر وعصوا فلم يطيعوا.
{الرجفة }: المرة من رجف إذا اضطرب، وذلك لما سمعوا الصيحة أخذتهم الرجفة.
{جاثمين} : باركين على الركب كما يجثم الطير أي هلكى على ركبهم.
{فتولى عنهم }: بعد أن هلكوا نظر إليهم صالح وهم جاثمون وقال راثياً لحالهم {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي} إلى قوله {ولكن لا تحبون الناصحين} ثم أعرض عنهم وانصرف.
معنى الآيات:
مازال السياق في قصص صالح عليه السلام فإنه بعد تلك الدعوة الطويلة العريضة والمستكبرون يردونها بصلف وكبرياء، وطالبوا بالآية لتدل على صدقه وأنه من المرسلين وأوتوا الناقة آية مبصرة ولجوا في الجدال والعناد وأخيراً تمالؤوا على قتل الناقة وعقروها {فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها}.
قوله تعالى في الآية الأولى (77) {فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم} يخبر تعالى أن قوم صالح عقروا الناقة قطعوا أرجلها ثم نحروها وهو العقر، وعتوا بذلك وتكبروا متمردين عن أمر الله تعالى حيث أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله ولا يمسوها بسوء فإذا بهم يعقرونها تحدياً وعناداً،
{وقالوا يا صالح} بدل أن يقولوا يا رسول الله أو يا نبي الله {ائتنا بما تعدنا} أي من العذاب إن مسسنا الناقة بسوء فقد نحرناها فأتنا بالعذاب إن كنت كما تزعم من المرسلين قال تعالى {فأخذتهم الرجفة} وهي هزة عنيفة اضطربت لها القلوب والنفوس نتيجة صيحة لملك عظيم صاح فيهم صباح السبت كما قال تعالى {فأخذتهم الصيحة مشرقين} ولما هلكوا وقف عليهم صالح كالمودع كما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل القليب ببدرٍ فناداهم يا فلان يا فلان كذلك صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وقف عليهم وهم خامدون وقال كالراثي المتحسر {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} وتولى عنهم وانصرف.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- حلول نقمة الله تعالى بكل من عتا عن أمره سبحانه وتعالى.
2- مشروعية الرثاء لمن مات أو أصيب بمصاب عظيم.
3- علامة قرب ساعة الهلاك إذا أصبح الناس يكرهون النصح ولا يحبون الناصحين.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
‏الثلاثاء, ‏29 ‏جمادى الثانية, ‏1438
تفسير سورة الأعراف.
الآيات /80/81/82/83/84/.
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)}.
شرح الكلمات :
{ولوطاً }: أي وأرسلنا لوطاً ولوط هو لوط بن هاران ابن أخي إبراهيم عليه السلام. ولد في بابل العراق.
{الفاحشة }: هي الخصلة القبيحة وهي إتيان الرجال في أدبارهم.
{ من العالمين }: أي من الناس.
{من الغابرين} : الباقين في العذاب.
{وأمطرنا}. أنزلنا عليهم حجارة من السماء كالمطر فأهكتهم.
{المجرمين}: أي المفسدين للعقائد والأخلاق والأعراض.
معنى الآيات:
هذا هو القصص الرابع قصص نبي الله تعالى لوط بن هاران ابن أخي إبراهيم عليه السلام فقوله تعالى {ولوطاً...} أي وأرسلنا لوطاً إلى قومه من أهل سدوم، ولم يكن لوط منهم لأنه من أرض بابل العراق هاجر مع عمه إبراهيم وأرسله الله تعالى إلى أهل سدوم وعمورة قرب بحيرة لُوطٍ بالأردن هو المعروف بالبحر الميت ويقال له بحيرة لوط.
سدوم هي المدينة التي كان قوم لوط الكفرة الفجرة يعيشون فيها، ويقال أنّ هذه القارية تقع في منطقة البحر الميت ( حالياً )، حيث ذهب البعض إلى أنّ البحر الميت تكون نتيجة العذاب الذي عذبه الله تعالى لقوم لوط. يقع البحر الميت في منطقة غور الأردن، حيث يفصل حالياً بين الأردن وفلسطين، حيث يقع ضمن الشق السوري الأفريقي، وفي الأخدود المعروف باسم أخدود وادي الأردن، وهذا البحر يشتهر بكونه النقطة الأخفض على مستوى العالم كله. تقدر مساحة البحر الميت بحوالي 650 كيلو متراً مربعاً تقريباً، أما العمق الأقصى فيه فيقدر بحوالي 400 متراً.
وقوله إذ قال لقومه الذين أرسل إليهم منكراً عليهم فعلتهم المنكرة: {أتأتون الفاحشة} وهي إتيان الرجال في أدبارهم {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} أي لم يسبقكم إليها أحد من الناس قاطبة، وواصل إنكاره هذا المنكر موبخاً هؤلاء الذين هبطت أخلاقهم إلى درك لم يهبط إليه أحد غيرهم فقال: {إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء، بل أنتم قوم مسرفون} وإلا فالشهوة من النساء هي المفطور عليها الإنسان، لا أدبار الرجال، ولكنه الإجرام والتوغل في الشر والفساد والإسراف في ذلك، والإسراف صاحبه لا يقف عند حد.
وبعد هذا الوعظ والإرشاد إلى سبيل النجاة، والخروج من هذه الورطة التي وقع فيها هؤلاء القوم المسرفون ما كان ردهم {إلا أن قالوا أخرجوهم} أي لوطاً والمؤمنين معه {من قريتكم} أي مدينتكم سدوم، معللين الأمر بإخراجهم من البلاد بأنهم أناس يتطهرون من الخبث الذي هم منغمسون فيه قال تعالى بعد أن بلغ الوضع هذا الحد
{فأنجيناه وأهله} من بناته وبعض نسائه {إلا امرأته كانت من الغابرين} حيث أمرهم بالخروج من البلاد ليلاً قبل حلول العذاب بالقوم فخرجوا، وما إن غادروا المنطقة حتى جعل الله تعالى عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجين فأهلكوا أجمعين.
وقوله تعالى في ختام هذا القصص {فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} فإنه خطاب عام لكل من يسمع هذا القصص ليعتبر به حيث شاهد عاقبة المجرمين دماراً كاملاً وعذاباً أليماً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- شدة قبح جريمة اللواط.
الجمهور على أن من أتى هذه الفاحشة من الذكران البالغين أنه يقتل وغير البالغ يضرب، وخالف أبو حنيفة الجمهور وقال بعدم القتل واكتفى بالتعزير وهو محجوج بعمل الصحابة فقد أحرقوا مَنْ عَمِل عَمَل قوم لوط على عهد أبي بكر بإجماع رأي الصحابة على ذلك لحديث أبي داود والنسائي وابن ماجه والترمذي أي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" وعند الترمذي "أحصنا أو لم يحصنا" واختلف في الفاعل في البهيمة هل يقتل أو يعزّر؟ فالراجح: القتل لحديث: "من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة معه".
2- أول من عرف هذه الجريمة القذرة هم قوم لوط عليه السلام.
3- الإسراف وعدم الاعتدال في الأقوال والأفعال يتولد عنه كل شر وفساد.
4- الكفر والإجرام يحل رابطة الأخوة والقرابة بين أصحابه والبُراءة منه.
5- من أتى هذه الفاحشة من المحصنين يرجم بالحجارة حتى الموت.
قصة أهل سدوم لم يعرف التاريخ جماعة أسوأ أخلاقاً، من أهل سدوم، هذه القرية الكافرة المجرمة التي لم تعرف نوعاً من المحرمات إلا وفعلته، ولم يكن قوم سدوم يتورعون عن إخفاء المعاصي بل كانوا يجاهرون بها، حيث كانت معاصيهم علنية وذلك واضح جلي في قوله تعالى " وتأتون في ناديكم المنكر ". لم يكن قوم لوط أسوياء خلقياً بل كانوا فجاراً فكانت فيهم كل الصفات السيئة، ولقد انعدم منهم الضمير الإنسانية الي أعطاه الله تعالى للناس، والذي يبقي شيئاً من أخلاق حتى لو انعدم الدين وحتى لو انعدم الإيمان بالله تعالى. لأنّ مصدر الأخلاق كلها هو الله تعالى وحده.
من أبرز المعاصي التي كان قوم لوط يأتون بها المثلية الجنسية، فلم يكن رجالهم يشتهون النساء كما فطر الله تعالى الناس، بل كانوا يأتون الذكران من العالمين، ولم يكونوا يستترون، بل كانت ممارسة المثلية الجنسية عندهم أمراً طبيعياً جداً، وفي العلن، وهذا مما جعل عقابهم أشد وأقسى.
أما المعصية الأخرى التي كانوا يأتون بها فهي أنهم كانوا يقطعون السبيل، كما وصفهم الله تعالى في كتابه الكريم، وقطعهم السبيل لم يكن بشكل عادي، بل كان أيضاً فيه وقاحة أشد وأدهى، فلو صح ما جاء في الكتب العبرية، من أنهم كانوا ينتظرون التجار الذين يأتون إلى مدينتهم للتجارة، ويتجمعون عليه جماعات جماعات، ثم يأخذ كل واحد منهم شيئاً يسيراً من بضاعة هذا التاجر سرقة واختلاساً، فيجلس التاجر وقد فنيت بضاعته حسراناً حزيناً على جنب الطريق، فيأتون إليه بشكل متتابع، فيقول كل واحد منهم له إذا كنت حزيناً على بضاعتك التي أخذتها منك فإني أعيدها لك، وعندما ينظر التاجر إلى هذه البضاعة ويراها قليلة، يعلم أنه لن ينتفع بها لقلتها فلا يأخذها، وهكذا حتى تعرض عليه بضاعته كلها فيرفضها لتفرقها بين أيدي القوم كلهم، لو صح ذلك لتبين أنهم من أكثر الشعوب التي مرت على الأرض وقاحة وطغياناً.
هذا عدا عن حجم الجور والطغيان اللذان كانا يمارسان على هذه الأرض. لقد عاقب الله تعالى قوم سدوم بأن أرسل إليهم الملائكة الذين خسفوا الأرض بهم وأحرجوا منهم لوطاً وبناته الثنتين وامرأته، إلا أن امرأته كانت قد التفتت إلى القرية وهي تعذب فجاءها عذاب الله تعالى أيضاً. فقد أمر الله تعالى لوطاً ومن خرج معه أن لا يتلفتوا وراءهم.
والله أعلم وأجل وأكرم وأحكم .
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
‏الأربعاء, ‏01 ‏رجب, ‏1438
تفسير سورة الأعراف.
الآيات /85/86/87/.
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(85) وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(86) وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ(87)}.
شرح الكلمات:
{ وإلى مدين آخاهم شعيباً }: مدين أبو القبيلة وهو مدين بن إبراهيم الخليل وشعيب من أبناء القبيلة فهو أخوهم في النسب حقيقة إذ هو شعيب بن ميكائيل بن يشجر بن مدين.
شعيب: تصغير شعب أو شِعب ويقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه.
{ولا تبخسوا الناس أشياءهم} : أي لا تنقصوا الناس قيم سلعهم وبضائعهم، إذ كانوا يفعلون ذلك.
{صراط توعدون} : طريق وتوعدون تخيفون المارة وتأخذون عليهم المكوس أو تسلبونهم أمتعتهم.
{وتبغونها عوجاً}: أي تريدون سبيل الله -وهي شريعته- معوجةً حتى توافق ميولكم.
{المفسدين}: هم الذين يعملون بالمعاصي في البلاد.
{يحكم بيننا}: يفصل بيننا فينجي المؤمنين ويهلك الكافرين.
معنى الآيات:
هذا هو القصص الخامس في سورة الأعراف وهو قصص نبي الله شعيب عليه السلام مع قومه أهل مدين، فقوله تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيباً} أي وأرسلنا إلى أهل مدين أخاهم شعيباً.
فماذا قال لهم لما أرسل إليهم؟ { قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره} أي قولوا لا إله إلا الله، ولازم ذلك أن يصدقوا برسول الله شعيب حتى يمكنهم أن يعبدوا الله بما يحب أن يعبد به وبما من شأنه أن يكملهم ويسعدهم في الدارين وقوله :{قد جاءتكم بينة من ربكم} أي آية واضحة تشهد لي بالرسالة وبما أن ما آمركم به وأنهاكم عنه هو من عند الله تعالى إذاً {فأوفوا الكيل والميزان} أي بالقسط الذي هو العدل، {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} بل أعطوهم ما تستحقه بضائعهم من الثمن بحسب جودتها ورداءتها {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} أي في البلاد بعد إصلاحها، وذلك بترك الشرك والذنوب ومن ذلك ترك التلصص وقطع الطرق، وترك التطفيف في الكيل والوزن وعدم بخس سلع الناس وبضائعهم ذلكم الذي دعوتكم إليه من الطاعة وترك المعصية خير لكم حالاً ومالاً إن كنتم مؤمنين وقوله: {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً} ينهاهم عليه السلام عن أبشع الإجرام وهو أنهم يجلسون في مداخل البلاد، وعلى أفواه السكك، ويتوعدون المارة بالعذاب إن هم اتصلوا بالنبي شعيب وجلسوا إليه صرفاً للناس عن الإيمان والاستقامة، كما أنهم يقطعون الطرق ويسلبون الناس ثيابهم وأمتعتهم أو يدفعون إليهم ضريبة خاصة.
وقوله :{واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم} يذكرهم عليه السلام بنعمة الله تعالى عليهم وهي أنهم أصبحوا شعباً كبيراً بعدما كانوا شعباً صغيراً لا قيمة له ولا وزن بين الشعوب وقوله: {وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين} يعظهم ببيان مصير الظلمة المفسدين من الأمم المجاورة والشعوب حيث حلت بهم نقمة الله ونزل بهم عذابه فهلكوا يعظهم لعلهم يذكرون فيتركوا الشرك والمعاصي، ويعملوا بالتوحيد والطاعة.
وأخيراً يخوفهم بالله تعالى ويهددهم بأن حكماً عدلاً هو الله سيحكم بينهم وعندها يعلمون من هو المحق ومن هو المبطل فقال: {وإن كان طائفة منكم} أي جماعة {آمنوا بالذي أرسلت به} من التوحيد والطاعة وترك الشرك والمعاصي، {وطائفة} أخرى {لم يؤمنوا} وبهذا كنا متخاصمين نحتاج إلى من يحكم بيننا إذاً {فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين}.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- دعوة الرسل واحدة في باب العقيدة إذ كلها تقوم على أساس التوحيد والطاعة.
2- حرمة التطفيف في الكيل والميزان، وبخس الناس أشياءهم، ويدخل في ذلك الصناعات وحرف المهن وما إلى ذلك.
3- حرمة الفساد في الأرض بالمعاصي لاسيما البلاد التي طهرها الله بالإسلام وأصلحها بشرائعه.
4- حرمة التلصص وقطع الطرق وتخويف المارة.
5- حرمة الصد عن سبيل الله بمنع الناس من التدين والالتزام بالشريعة ظاهراً وباطناً.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
‏الخميس, ‏02 ‏رجب, ‏1438
تفسير سورة الأعراف.
الآيتان /88/89/.
{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)}.
شرح الكلمات:
{ الملأ }: أشراف القوم الذين يملؤون المجلس إذا جلسوا، والعين إذا نظر إليهم.
{استكبروا} : تكلفوا الكبر وهم حقيرون، حتى لا يقبلوا الحق.
{من قريتنا}: مدينتنا.
{في ملتكم }: في دينكم.
{على الله توكلنا} : أي فوضنا أمرنا واعتمدنا في حمايتنا عليه.
{ربنا افتح بيننا }: أي يا ربنا احكم بيننا.
{وأنت خير الفاتحين }: أي وأنت خير الحاكمين.
معنى الآيتين:
ما زال السياق الكريم في قصص شعيب مع قومه أهل مدين فبعد أن أمرهم ونهاهم وذكرهم ووعظهم {قال الملأ الذين استكبروا من قومه} مهددين موعدين مقسمين {لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا}.
هكذا سنة الطغاة الظلمة إذا غُلِبُوا بالحجج والبراهين يفزعون إلى القوة فلما أفحمهم شعيب خطيب الأنبياء عليهم السلام، وقطع الطريق عليهم شهروا السلاح في وجهه، وهو النفي والإخراج من البلاد أو العودة إلى دينهم الباطل: {لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا}
{أو لتعودّنّ}: إمّا أن يراد به أتباع شعيب المؤمنون إذ كانوا قبل إيمانهم على دين قومهم وإمّا أن يراد بكلمة {لتعودّنّ}: لتصيرن إذ تكون عاد بمعنى: صار.
ورد شعيب على هذا التهديد بقوله: {أو لو كنا كارهين} أي أنعود في ملتكم ولو كنا كارهين لها { قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها} ووجه الكذب على الله إن عادوا إلى ملة الباطل هو أن شعيباً أخبرهم أن الله تعالى أمرهم بعبادته وحده وترك عبادة غيره، وأنه تعالى أرسله إليهم رسولاً وأمرهم بطاعته إنقاذاً لهم من الباطل الذي هم فيه فإذا أرتد وعاد هو ومن معه من المؤمنين إلى ملة الشرك كان موقفهم موقف من كذب على الله تعالى بأنه قال كذا وكذا والله عز وجل لم يقل.
هذا ثم قال شعيب عليه السلام {وما يكون لنا أن نعود فيها} ليس من الممكن ولا من المتهيء لنا العودة في ملتكم أبداً، اللهم إلا أن يشاء ربنا شيئاً فإن مشيئته نافذة في خلقه، وقوله: {وسع ربنا كل شيء علما} فإذا كان قد علم أنا نرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، فسوف يكون ما علمه كما علمه وهو الغالب على أمره.
هذا الاستثناء كان من شعيب تأدباً مع الله تعالى بتفويض الأمر إلى مشيئته وعودة غيره من أمته ممكنة ولكن عودته هو مستحيلة.
ثم قال عليه السلام بعد أن أعلمهم أن العودة إلى دينهم غير واردة ولا ممكنة بحال من الأحوال إلاّ في حال مشيئة الله ذلك، وهذا مما لا يشاءه الله تعالى قال: {على الله توكلنا} في الثبات على دينه الحق، والبراءة من الباطل ثم سأل ربه قائلاً: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} أي احكم بيننا وبينهم بالحق {وأنت خير الفاتحين} أي الحاكمين، وذلك بإحقاق الحق وإبطال الباطل.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان سنة بشرية وهي أن الظلمة والمتكبرين يجادلون بالباطل حتى إذا أعياهم الجدال وأفحموا بالحجج بدل أن يسلموا بالحق ويعترفوا به ويقبلوه، فيستريحوا ويريحوا يفزعون إلى القوة بطرد أهل الحق ونفيهم أو إكراههم على قبول الباطل بالعذاب والنكال.
2- لا يصح من أهل الحق بعد أن عرفوه ودعوا إليه أن يتنكروا ويقبلوا الباطل بدله.
3- يستحب الاستثناء في كل ما عزم عليه المؤمن مستقبلاً وإن لم يرده أو حتى يفكر فيه.
4- وجوب التوكل على الله عند تهديد العدو وتخويفه، والمضي في سبيل الحق.
5- مشروعية الدعاء وسؤال الله تعالى الحكم بين أهل الحق وأهل الباطل، لأن الله تعالى يحكم بالحق وهو خير الحاكمين.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
‏الجمعة, ‏03 ‏رجب, ‏1438
تفسير سورة الأعراف.
الآيات /90/91/92/93/.
{وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ(90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ(91) الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ(92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ(93)}.
شرح الكلمات:
{لئن اتبعتم شعيباً }: أي على ما جاء به من الدين والهدى.
{الرجفة }: الحركة العنيفة كالزلزلة.
{جاثمين }: باركين على ركبهم ميتين.
{كأن لم يغنوا فيها }: أي كأن لم يعمروها ويقيموا فيها زمناً طويلاً.
{الخاسرين }: إذ هلكوا في الدنيا وادخلوا النار في الآخرة.
{آسى}: أي أحزن أو آسف شديد الأسف.
أسِيَ كرضي يأسى كيرضي يقال: أسيت على كذا أسىً فأنا آسٍ وآسى في الآية مضارع أسى دخلت عليه همزة المتكلم فصارت آسى بهمزتين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصص شعيب عليه السلام مع أهل مدين فإنه بعد أن هدد الظالمون شعيباً بالإبعاد من مدينتهم هو والمؤمنون معه أو أن يعودوا إلى ملتهم فرد شعيب على التهديد بما أيأسهم من العودة إلى دينهم، وفزع إلى الله يعلن توكله عليه ويطلب حكمه العادل بينه وبين قومه المشركين الظالمين كأن الناس اضطربوا وأن بعضاً قال اتركوا الرجل وما هو عليه، ولا تتعرضوا لما لا تطيقونه من البلاء.
هنا قال الملأ الذين استكبروا من قومه مقسمين بآلهة الباطل: {لئن اتبعتم شعيباً} أي على دينه وما جاء به وما يدعو إليه من التوحيد والعدل ورفع الظلم {إنكم إذاً لخاسرون}
قال تعالى: {فأخذتهم الرجفة} استجابة لدعوة شعيب فأصبحوا هلكى جاثمين على الركب.
في سورة هود: {فأخذتهم الصيحة} وفي سورة الشعراء: {أخذهم عذاب يوم الظّلة} وطريقة الجمع. أنهم لمّا اجتمعوا تحت الظلة وهي سحابة أظلتهم، فَزَعُوا إليها من شدّة الحر الذي أصابهم يومئذٍ فلمّا استقروا تحتها زُلزلوا من تحتهم وهي الرجفة ونزلت عليهم من الظلة صاعقة وهي الصيحة فأحرقتهم هذا إن قلنا إنّ مدين وأصحاب الأيكة هما أمة واحدة، وإلا فأصحاب الأيكة أُخذوا بعذاب الظلة وأصحاب مدين أُخذوا بالرجفة من تحتهم، والصيحة من فوفهم.
قال تعالى: {الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها} أي كأن لم يعمروا تلك الديار ويقيموا بها زمناً طويلاً، وأكد هذا الخبر وهو حكمه في المكذبين الظالمين فقال: {الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين}
أما الذين صدقوا شعيباً فهم المفلحون الفائزون وودعهم شعيب كما ودع صالح قومه قال تعالى: {فتولى عنهم} وهم جاثمون هلكى فقال :
{يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم} فأبيتم إلا تكذيبي ورد قولي والإصرار على الشرك والفساد حتى هلكتم {فكيف آسَى على قوم كافرين} أي لا معنى للحزن والأسف على مثلكم.
هداية الآيات
هن هداية الآيات:
1- ثمرة الصبر والثبات النصر العاجل أو الآجل.
2- نهاية الظلم والطغيان والدمار والخسران.
3- لا أسىً ولا حزناً على من أهلكه الله تعالى بظلمه وفساده في الأرض.
4- مشروعية توبيخ الظالمين بعد هلاكهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل القليب وكما فعل صالح وشعيب عليهما السلام.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

‏السبت, ‏04 ‏رجب, ‏1438

تفسير سورة الأعراف.
الآيتان /94/95/.
{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ(94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ(95)}.
شرح الكلمات:
{في قرية }: القرية: المدينة الجامعة لأعيان البلاد ورؤسائها وهي المدينة.
//في الجملة إضمار تقديره: وما أرسلنا في قرية من نبي فكذب أهلّها إلاّ أخذناهم وهو مبسوط في التفسير مبيّن غاية البيان والجملة معطوفة على جملة: {وإلى مدين آخاهم شعيباً}.//
{ بالبأساء }: بالشدة كالقحط والجوع والحروب.
{والضراء}: الحالة المضرة كالأمراض والغلاء وشدة المؤونة.
{يضرعون }: يدعون الله تعالى ويتضرعون إليه ليكشف عنهم السوء.
{مكان السيئة الحسنة}: أي بدل الغلاء الرخاء، وبدل الخوف الأمن، وبدل المرض الصحة.
{حتى عفوا }: كثرت خيراتهم ونمت أموالهم، وأصبحت حالهم كلها حسنة.
{أخذناهم بغتة }: أنزلنا بهم العقوبة فجأة.
معنى الآيتين:
على إثر بيان قصص خمسة أنبياء ذكر تعالى سنته في الأمم السابقة ليكون ذلك عظه لكفار قريش، وذكرى للمؤمنين فقال تعالى:
{وما أرسلنا في قرية} أي في أهل قرية والمراد بالقرية الحاضرة والعاصمة من كبريات المدن حيث الكبراء والرؤساء من نبي من الأنبياء والمرسلين فكذبوه قومه وردوا دعوته مصرين على الشرك والضلال إلا أخذ الله تعالى أهل تلك المدينة بألوان من العذاب التأديبي كالقحط والجوع وشظف العيش، والأمراض والحروب المعبر عنه بالبأساء والضراء رجاء أن يرجعوا إلى الحق بعد النفور منه، وقبوله بعد الإعراض عنه.
ثم يغير تعالى ما بهم من بأساء وضراء إلى يسر ورخاء، وعافية وهناء فتكثر أموالهم وأولادهم ويعظم سلطانهم، ويقولون عندما يوعظون ويذكرون ليتوبوا فيؤمنوا ويتقوا: {قد مس آباءنا الضراء والسراء} أي الخير والشر وما هناك ما تخوفوننا به إنما هي الأيام هكذا دول يوم عسر وآخر يسر وبذلك يحق عليهم العذاب فيأخذهم الجبار عز وجل فجأة {وهم لا يشعرون } فيتم هلاكهم ويمسون حديث عبرة لمن بعدهم عذاب في الدنيا، وعذاب في الآخرة وعذاب الآخرة أشد وأبقى.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- بيان سنة الله تعالى في الأمم السابقة.
2- تخويف كفار قريش بما دلت عليه هذه السنة من أخذ الله تعالى المصرين على الكفر المتمردين على الحق.
3- التذكير والوعظ بتاريخ الأمم السابقة المنبىء عن أسباب هلاكهم وخسرانهم ليتجنبها العقلاء، كما قال تعالى:
{لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

‏الأحد, ‏05 ‏رجب, ‏1438

تفسير سورة الأعراف.
الآيات /96/97/98/99/100/.
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ(96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ(97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ(98) أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ(99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ(100)}.
شرح الكلمات:
{آمنوا واتقوا }:أي آمنوا بالله ورسوله ووعد الله ووعيده واتقوه تعالى بطاعته وعدم معصيته.
{بركات من السماء والأرض }: جمع بركة وهي دوام الخير وبقاؤه والعلم والإلهام والمطر من بركات السماء والنبات والخصب والرخاء والأمن والعافية من بركات الأرض.
البركات: جمع بركة، وهي الخير الدائم الصالح الذي لا تبعة فيه في الدنيا ولا في الآخرة. وتكون في العمر والمال وفي كل ما هو خير ونافع غير ضار للإنسان.
{يكسبون }: من الشرك والمعاصي.
{بياتاً }: أي ليلاً وهم نائمون.
{مكر الله }:استدراجه تعالى لهم بإغداق النعم عليهم من صحة الأبدان ورخاء العيش حتى إذا آمنوا مكره تعالى بهم أخذهم بغتة.
{أولم يهد لهم }: أي أولم يبين لهم بمعنى يتبين لهم.
{بذنوبهم}: أي بسبب ذنوبهم.
معنى الآيات:
بعدما بين تعالى سنته في الأمم السابقة، وهي أخذ الأمة بعد تكذيبها وعصيانها بالبأساء والضراء، ثم إذا هي لم تتب واستمرت على كفرها وعصيانها أغدق عليها الخيرات حتى عفت بكثرة مالها وصلاح حالها أخذها بغتة فأهلكها، وتم خسرانها في الدارين، فتح تعالى باب التوبة والرجاء لعباده فقال: {ولو}لو: حرف امتناع لا متناع، امتنع شرطها فامتنع جوابها، وشرطها هنا: الإيمان والتقوى وجوابها فتح البركات على أهل القرى.
{ولوأن أهل القرى}يقال للمدينة: قرية لاجتماع الناس فيها مأخوذ من التقرّى الذي هو التجمع يقال: قريت الماء في الحوض: إذا جمعته، وسمي القرآن قرآنا لاجتماع الحروف والكلمات والجمل والآيات فيه.
{ولوأن أهل القرى}المكذبين ككفار مكة والطائف وغيرهما من المدن {آمنوا} أي بالله ورسوله وبلقاء الله ووعده ووعيده، {واتقوا} الله تعالى في الشرك وفي معصيته ومعصية رسوله لفتح عليهم أبواب السماء بالرحمات والبركات، وفتح عليهم كنوز الأرض ورزقهم من الطيبات ولكن أهل القرى الأولين كذبوا فأخذهم بالعذاب بما كانوا يكسبون، وأهل القرى اليوم وهم مكذبون فإما أن يعتبروا بما أصاب أهل القرى الأولين فيؤمنوا ويوحدوا ويطيعوا، وإما أن يصروا على الشرك والتكذيب فينزل بهم ما نزل بمن قبلهم من عذاب الإبادة والاستئصال، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (96) وهي قوله تعالى {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}.
أما الآيات الثلاث بعدها فإن الله تعالى ينكر على أهل القرى غفلتهم موبخاً لهم على تماديهم وإصرارهم على الباطل معجباً من حالهم فيقول: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون؟}الاستفهام للإنكار والتعجب معاً، ومكر الله تعالى: إمهالهم وإغداق الخير عليهم مع شركهم وكفرهم، إذ المكر: أن يظهر المرء الإحسان لمن يمكر به ليأخذه فجأة. والأمن من مكر الله تعالى زيادة على أنه كبيرة من كبائر الذنوب فإنه يؤدي بالآمن إلى هلاكه دنياً وأخرى.
{أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون؟} أي أجهلوا ما نزل بمن قبلهم فأمنوا أن يأتيهم عذابنا ليلاً وهم نائمون؟ {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا} أي عذابنا {ضحى وهم يلعبون؟} أي أو غفل أهل القرى وأمنوا أن يأتيهم عذابنا ضحى وهم في أعمالهم التي لا تعود عليهم بخير كأنها لعب أطفال يلعبون بها {أفأمنوا مكر الله}؟ أي أغرهم إمهالنا لهم واستدراجنا إياهم فأمنوا مكر الله؟ إنهم في ذلك خاسرون إذ لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
وقوله تعالى في الآية الخامسة (100) {أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون} أي عمى الذين يرثون الأرض من بعد أهلها ولم يتبين لهم بعد ولم يعلموا أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا الذين ورثوا ديارهم بذنوبهم {ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون} أي ونجعل على قلوبهم غشاوة حتى لا يعوا ما يقال لهم ولا يفهموا ما يراد بهم حتى يهلكوا كما هلك الذين من قبلهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- عرض الرحمن تبارك وتعالى رحمته على عباده ولم يطلب منهم أكثر من الإيمان والتقوى.
2- حرّمة الغفلة ووجوب الذكر واليقظة.
3- حرمة الأمن من مكر الله تعالى.
4- إذا أمنت الأمة مكر الله تهيأت للخسران وحل بها لا محالة.
5- وجوب الاعتبار بما أصاب الأولين، وذلك بترك ما كان سبباً لهلاكهم.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

‏الإثنين, ‏06 ‏رجب, ‏1438

تفسير سورة الأعراف.
الآيتان /101/102/.
{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ(101) وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ(102) }.
شرح الكلمات:
{تلك القرى }: الإشارة إلى قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب.
{من أنبائها }: أي من أخبارها.
{بالبينات}: بالحجج والبراهين الدالة عل توحيد الله وصدق رسله.
{من قبل }: أي من قبل خلقهم ووجودهم، إذ علم الله تعالى تكذيبهم عليهم في كتاب المقادير.
{وما وجدنا لأكثرهم من عهد} : أي لم نجد لأكثرهم وفاء بعهودهم التي أخذت عليهم يوم أخذ الميثاق.
معنى الآيتين:
يخاطب الرب تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم قائلاً :
{تلك القرى نقص عليك من أنبائها} أي من أخبارها مع أنبيائها كيف دعتهم رسلهم إلى الإيمان والتوحيد والطاعة، وكيف ردت تلك الأمم دعوة الله واستكبرت على عبادته، وكيف كان حكمنا فيهم لعل قومك يذكرون فيؤمنوا ويوحدوا.
وقوله تعالى :{ولقد جاءتهم رسلهم بالبنيات} أي بالحجج الواضحات على صدق دعوتهم، وما جاءتهم به رسلهم من أمر ونهي من ربهم.
وقوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} أي لم يكن أولئك الهالكون من أهل القرى ليؤمنوا بما كذبوا به في علم الله وقدره إذ علم الله أنهم لا يؤمنون فكتب ذلك عليهم فلذا هم لا يؤمنون.
//اختلف في المضاف إليه المحذوف في قوله: {بما كذبوا من قبل} هل المراد: من قبل خروجهم للحياة الدنيا وهم في عالم الأرواح حيث أمروا بالإيمان فكذبَّوا فكتب الله عليهم ذلك فلن يكون إلا هو أو لو أحييناهم بعد إهلاكهم بذنوبهم لمّا آمنوا بما كذّبوا به فكان سبب هلاكهم، أو سألوا المعجزات ليؤمنوا فلمّا رأوها لم يؤمنوا بما كذّبوا من قبل رؤيتهم المعجزات، والراجح من هذه المقولات ما هو في التفسير إذ هو قول ابن جرير إمام المفسرين.//
وقوله تعالى: {كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} أي كما كتب على الهالكين من أهل القرى أنهم لا يؤمنون ولم يؤمنوا فعلاً فأهلكهم، يطبع كذلك على قلوب الكافرين فلا يؤمنون حتى يأخذهم العذاب وهم ظالمون بكفرهم. وهذا الحكم الإلهي قائم على مبدأ أن الله علم من كل إنسان قبل خلقه ما يرغب فيه وما يؤثره على غيره ويعمله باختياره وإرادته فكتب ذلك عليه فهو عند خروجه إلى الدنيا لا يعمل إلا به ليصل إلى ما كتب عليه، وقدر له أزلاً قبل خلق السموات والأرض.
وقوله تعالى {وما وجدنا لأكثرهم من عهد1} أي لم نجد لتلك الأمم التي أهلكنا وهم قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب لم نجد لأكثرهم وفاء بعهدهم الذي أخذناه عليهم قبل خلقهم من الإيمان بنا وعبادتنا وطاعتنا وطاعة رسلنا، وما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين عن أمرنا خارجين عن طاعتنا وطاعة رسلنا، وكذلك أحللنا بهم نقمتنا وأنزلنا بهم عذابنا فأهلكناهم أجمعين.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- تقرير الوحي الإلهي وإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه ما قُصَّ من أنباء الأولين لا يُتَلَقَّى إلا بوحي إلهي ولا يتلقى عن الله تعالى إلا رسول أَعِدَّ لذلك.
2- وجود البينات مهما كانت قوية واضحة غير كاف في إيمان من لم يشأ الله هدايته.
3- المؤمن من آمن في الأزل، والكافر من كفر فيه.
4- الطبع على قلوب الكافرين سببه اختيارهم للكفر والشر والفساد وإصرارهم على ذلك كيفما كانت الحال.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mohamadalzabe.yoo7.com
 
تفسير سورة الأعراف -3-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشيخ محمد امين الزعبي :: دراسات قرآنية-
انتقل الى: