الشيخ محمد امين الزعبي
بسم الله الرحمن الرحيم
أهلا وسهلا بكم في منتدى الشيخ محمد أمين الزعبي
الشيخ محمد امين الزعبي
بسم الله الرحمن الرحيم
أهلا وسهلا بكم في منتدى الشيخ محمد أمين الزعبي
الشيخ محمد امين الزعبي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشيخ محمد امين الزعبي

خطب دينية -صوتيات- فتاوى - تفسير وشرح القرآن الكريم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 سورة الرعد - 1-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد الزعبي
المدير العام للموقع



المساهمات : 694
تاريخ التسجيل : 11/04/2008

سورة الرعد - 1-  Empty
مُساهمةموضوع: سورة الرعد - 1-    سورة الرعد - 1-  I_icon_minitimeالجمعة سبتمبر 21, 2018 10:07 pm

المجلد الثالث
تفسير سورة الرعد
...
سورة الرعد
مكية وآياتها ثلاث وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ(1) اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ(2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(3) وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(4)}
شرح الكلمات:
المر : هذه الحروف المقطعة تكتب المر وتُقرأ ألف لاَمْ مِيْم را. والله أعلم بمراده بها.
بغير عمد ترونها: العمد جمع عمود أي مرئية لكم إذ الجملة نعت.
ثم استوى على العرش: استواء يليق به عز وجل.
عقيدة السلف في هذه الصفة: وجوب الإيمان بها وإمرارها كما ذكرها تعالى بلا تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل، وكذا سائر صفاته عزّ وجلّ.
{وسخر الشمس والقمر}: أي ذللّها بمواصلة دورانها لبقاء الحياة إلى أجلها.
{هو الذي مد الأرض }: أي بسطها للحياة فوقها.
{رواسي}: أي جبال ثوابت.
{زوجين اثنين}: أي نوعين وضربين كالحلو والحامض والأصفر والأسود مثلا.
{يغشى الليل النهار}: أي يغطيه حتى لا يبقى له وجود بالضياء.
{لآيات }: أي دلالات على وحدانية الله تعالى.
{قطع متجاورات }: أي بقاع متلاصقات.
{ونخيل صنوان}: أي عدة نخلات في أصل واحد يجمعها، والصنو الواحد والجمع صنوان.
{في الأكل}: أي في الطعم هذا حلو وهذا مرّ وهذا حامض، وهذا لذيذ وهذا خلافه.
في الآيات استدلال بقدرة الله وعلمه وحكمته على أن القرآن الكريم وحيه أوحاه إلى رسوله وتنزيله أنزله عليه ليس كما يدّعي المشركون.
معنى الآيات:
قوله تعالى {المرَ} الله أعلم بمراده به. وقوله {تلك آيات الكتاب} الإشارة إلى ما جاء من قصص سورة يوسف، فالمراد بالكتاب التوراة والإنجيل فمن جملة آياتها ما قص الله تعالى على رسوله. وقوله: {والذي أنزل إليك من ربك} وهو القرآن العظيم {الحق} أي هو الحق الثابت. وقوله {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} أي مع أن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق فإن أكثر الناس من قومك وغيرهم لا يؤمنون بأنه وحي الله وتنزيله فيعملوا به فيكملوا ويسعدوا.
وقوله تعالى: {الله الذي رفع السموات والأرض بغير عمد ترونها}:
أي أن إلهكم الحق الذي يجب أن تؤمنوا به وتعبدوه وتوحدوه الله الذي رفع السموات على الأرض بغير عمد مرئية لكم ولكن رفعها بقدرته وبما شاء من سنن.
وقوله: {ثم استوى على العرش} أي خلق السموات والأرض ثم استوى على عرشه استواء يليق بذاته وجلاله يدبر أمر الملكوت
وقوله: {وسخر الشمس والقمر} أي ذللهما بعد خلقهما يسيران في فلكهما سيراً منتظماً إلى نهاية الحياة.
وقوله {كل يجري} أي في فلكه فالشمس تقطع فلكها في سنة كاملة والقمر في شهر كامل وهما يجريان هكذا إلى نهاية الحياة الدنيا فيخسف القمر وتنكدر الشمس .
وقوله: {يدبر الأمر} أي يقضي ما يشاء في السموات والأرض ويدبر أمر مخلوقاته بالإماتة والإحياء والمنع والإعطاء كيف يشاء وحده لا شريك له في ذلك.
وقوله: {يفصل الآيات} أي القرآنية بذكر القصص وضرب الأمثال وبيان الحلال والحرام كل ذلك ليهيئكم ويعدكم للإيمان بلقاء ربكم فتؤمنوا به وتعبدوا الله وتوحدوه في عبادته فتكملوا في أرواحكم وأخلاقكم وتسعدوا في دنياكم وآخرتكم.
وقوله تعالى: {وهو الذي مد الأرض} أي بسطها {وجعل فيها رواسي} أي جبالاً ثوابت {وأنهاراً} أي وأجرى فيها أنهاراً {ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين} أي نوعين وضربين فالرمان منه الحلو ومنه الحامض والزيتون منه الأصفر والأسود، والتين منه الأبيض والأحمر وقوله: {يغشى الليل النهار} أي يغطي سبحانه وتعالى النهار بالليل لفائدتكم لتناموا وتستريح أبدانكم من عناء النهار
وقوله: {إن في ذلك} أي المذكور في هذه الآية الكريمة من مد الأرض وجعل الرواسي فيها وإجراء الأنهار، وخلق أنواع الثمار واغشاء الليل النهار، في كل هذا المذكور {لآيات} أي علامات ودلائل واضحات على وجود الله تعالى وعلمه وقدرته وحكمته وعلى وجوب عبادته وتوحيده وعلى الإيمان بوعده ووعيده، ولقائه وما أعد من نعيم لأوليائه وعذاب لأعدائه.
لمّا ذكر تعالى آياته الكونية في السماء ذكر آياته الكونية في الأرض استدلالاً بها على قدرته وعلمه وحكمنه الموجبة لتوحيده وعبادته دون سواه.
وقوله تعالى: {وفي الأرض قطع متجاورات} أي بقاع من الأرض بعضها إلى جنب بعض متلاحقات هذه تربتها طيبة وهذه تربتها خبيثة ملح سبخة وفي الأرض أيضاً جنات أي بساتين من أعناب وفيها زرع ونخيل {صنوان} النخلتان والثلاث في أصل واحد، {وغير صنوان} كل نخلة قائمة على أصلها،
وقوله: {تسقى} أي تلك الأعناب والزروع والنخيل {بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل} وهو ما يؤكل منها فهذا حلو وهذا حامض وهذا لذيذ وهذا سمج، وقوله: {إن في ذلك} أي المذكور من القطع المتجاورات مع اختلاف الطيب وعدمه وجنات الأعناب والنخيل وسقيها بماء واحد واختلاف طعومها وروائحها وفوائدها {لآيات} علامات ودلائل باهرات على وجوب الإيمان بالله وتوحيده ولقائه، ولكن {لقوم يعقلون} أما الذين فقدوا عقولهم لاستيلاء المادة عليها واستحكام الشهوة فيها فإنهم لا يدركون ولا يفهمون شيئاً فكيف إذاً يرون دلائل وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته فيؤمنون به ويعبدونه ويتقربون إليه.
في هذه الآيات دلائل الوحدانية وعظم الصمدية والإرشاد لمن ضل عن معرفته حيث نبّه تعالى بقوله: {متجاورات} ومع تجاورها قطعة عذبة وأخرى ملحة، قطعة طيّبة وأخرى خبيثة كما أنّ التربة واحدة، وتسقى بماء واحد وتختلف طعوم الثمار وألوانه وخصائصه ومنافعه فهذا لن يكون صادراً إلاّ عن ذي قدرة لا تُحدّ وعلم لا ينتهي وحكمة لا يخلو منها شيء، وهو الله تعالى، وأين الطبيعة العمياء الصماء التي لا علم لها ولا إرادة من الله خالق كل شيء العليم بكل شيء؟
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير عقيدة الوحي الإلهي ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
2- تقرير عقيدة التوحيد وأنه لا إله إلا الله.
3- تقرير عقيدة البعث الآخر والجزاء على الكسب في الدنيا.
4- فضيلة التفكر في الآيات الكونية.
5- فضيلة العقل للاهتداء به إلى معرفة الحق وإتباعه للإسعاد والإكمال.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سيدنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ.

‎10/‎25/‎2017


تفسير سورة الرعد

{وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ(5) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ(6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(7) اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ(Cool عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ(9)}.

شرح الكلمات:
{وإن تعجب}: أي يأخذك العجب من إنكارهم نبوتك والتوحيد.
أصل التعجب: تغير النفس بما تخفي أسبابه، والمخاطب في هذا الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون تابعون له.
{فعجب}: أي فأعجب منه إنكارهم للبعث والحياة الثانية مع وضوح الأدلة وقوة الحجج.
{لفي خلق جديد}: أي نرجع كما كنا بشراً أحياء.
{الأغلال في أعناقهم} : أي موانع من الإيمان والاهتداء في الدنيا، وأغلال تشد بها أيديهم إلى أعناقهم في الآخر.
الأغلال: جمع غل وهو طوق من حديد تشدّ به اليد إلى العنق.
{بالسيئة}: أي بالعذاب.
{قبل الحسنة}: أي الرحمة وما يحسن بهم من العاقبة والرخاء والخصب.
المثلات: أي العقوبات واحدها مَثُله التي قد أصابت المكذبين في الأمم الماضية.
{لولا أنزل عليه}: أي هلاَّ أنزل، ولولا أداة تحضيض كهلاَّ.
{آية من ربه}: أي معجزة كعصا موسى وناقة صالح مثلاً.
{ولكل قوم هاد} : أي نبي يدعوهم إلى ربهم ليعبدوه وحده ولا يشركون به غيره.
{ما تحمل كل أنثى}: أي من ذكر أو أنثى واحداً أو أكثر أبيض أو أسمر.
{وما تغيض الأرحام}: أي تنقص من دم الحيض، وما تزداد منه.

معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى الإيمان بالتوحيد والنبوة المحمدية والبعث يوم القيامة للحساب والجزاء، فقوله تعالى في الآية الأولى (5) {وإن تعجب} يا نبينا من عدم إيمانهم برسالتك وتوحيد ربك فعجب أكبر هو عدم إيمانهم بالبعث الآخر، إذ قالوا في إنكار وتعجب: {أئذا متنا وكنا تراباً أئنا لفي خلق جديد}
مثل هذا الاستفهام وقع في تسع سور من القرآن في أحد عشر موضعاً ومن القرّاء من استفهم في الموضعين أئذا كنا تراباً ائنا لمبعوثون ومنهم من استفهم في موضع واحد، فمن استفهم في الأول والثاني قصد المبالغة في الإنكار فأتى به في الجملة الأولى وأعاده في الثانية تأكيداً له ومن أتى به مرّة واحدة لحصول المقصود به لأنّ كل جملة مرتبطة بالثانية فإذا أنكر في إحداهما حصل الإنكار في الأخرى (أفادهُ الجمل).
{أئذا متنا وكنا تراباً أئنا لفي خلق جديد}
أي يحصل لنا بعد الفناء والبلى؟ قال تعالى مشيراً إليهم مسجلاً الكفر عليهم ولازمه وهو العذاب {أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم} وهي في الدنيا موانع الهداية كالتقليد الأعمى والكبر والمجاحدة والعناد، وفي الآخرة أغلال توضع في أعناقهم من حديد تشد بها أيديهم إلى أعناقهم، {وأولئك أصحاب النار} أي أهلها {هم فيها خالدون} أي ماكثون أبداً لا يخرجون منها بحال من الأحوال.
وقوله تعالى في الآية الثانية (6) {ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة} يخبر تعالى رسوله مقرراً ما قال أولئك الكافرون بربهم ولقائه ونبي الله وما جاء به، ما قالوه استخفافاً واستعجالاً وهو طلبهم العذاب الدنيوي، إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخوفهم من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فهم يطالبون به كقول بعضهم: {فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم،} قبل طلبهم الحسنة وهذا لجهلهم وكفرهم، وإلا لطالبوا بالحسنة التي هي العافية والرخاء والخصب قبل السيئة التي هي الدمار والعذاب.
وقوله تعالى: {وقد خلت من قبلهم المثلات} أي والحال أن العقوبات قد مضت في الأمم من قبلهم كعقوبة الله لعاد وثمود وأصحاب الأيكة والمؤتفكات فما لهم يطالبون بها استبعاداً لها واستخفافاً بها أين ذهبت عقولهم؟
المثلات: جمع مثلة، وهي العقوبة نحو: صدُقة وصدُقات، وتضم الميم وتسكن الثاء مثله كغرفة والجمع مُثل كقُرب وهي العقوبة الشديدة التي تكون مثالاً تمثل بها العقوبات.
وقوله تعالى: {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} وهو ظاهر مشاهد إذ لو كان يؤاخذ بالظلم لمجرد وقوعه فلم يغفر لأصحابه لما ترك على الأرض من دابة.
قال ابن عباس رضي الله عنه هذه أرجى آية في كتاب الله، قال سعيد بن المسيّب، لمّا نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لولا عفو الله ورحمته وتجاوزه لما هنأ أحداً عيشُه ولولا عقابه ووعيده وعذابه لا تكل كل أحد".
وقوله: {وإن ربك لشديد العقاب} أي على من عصاه بعد أن أنذره وبين له ما يتقي فلم يتق ما يوجب له العذاب من الشرك والمعاصي.
وقوله تعالى في الآية الثالثة (7) {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه}! يخبر تعالى رسوله والمؤمنين عن قيل الكافرين بالتوحيد والبعث والنبوة: {لولا} أي هلا أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آية من ربه كعصا موسى وناقة صالح، حتى نؤمن بنبوته ونصدق برسالته، فيرد تعالى عليهم بقوله: {إنما أنت منذر} والمنذر المخوف من العذاب وليس لازماً أن تنزل معه الآيات، وعليه فلا تلتفت إلى ما يطالبون به من الآيات، واستمر على دعوتك فإن لكل قوم هادياً وأنت هادي هذه الأمة، وداعيها إلى ربها فادع واصبر.
هادي كل امة رسولها الذي بعث فيها وخلفاء الأنبياء وحواريوهم هداة يهدون من بعدهم والله يهدي من يشاء.
وقوله تعالى في الآية الرابعة (Cool {الله يعلم ما تحمل كل أنثى} أي من ذكر أو أنثى واحداً أو أثنين أبيض أو أسمر سعيداً أو شقياً.
وقوله: {وما تغيض الأرحام وما تزداد} أي ويعلم ما تغيض الأرحام من دماء الحيض وما تزداد منها إذ غيضها ينقص من مدة الحمل وازديادها يزيد في مدة الحمل فقد تبلغ السنة أو أكثر.
العادة أن انحباس الحيض دال على العلوق أي: الحمل، وفيضان الدم دال على عدم الحمل، وتفسير الآية بهذا حسن، فالله تعالى يعلم ما تغيض الأرحام من الدم، لانشغال الرحم بالعلقة ثمّ بالجنين، وما تزداد من الدم حتى يفيض عنها، ويخرج، وهو دم من لا حمل لها. وما في التفسير وجه وهذا الوجه أوضح.
استدل بالآية من قال: الحامل لا تحيض وهو أبو حنيفة. والجمهور على أنها تحيض كما استدل بها كل من قال: الحمل تزيد مدته إلى أربع سنوات، وهو الجمهور، وخالف الظاهرية في ذلك.
وقوله: {وكل شيء عنده بمقدار} أي وكل شيء في حكمه وقضائه وتدبيره بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص في ذات ولا صفة ولا حال، ولا زمان ولا مكان.
وقوله: {عالم الغيب والشهادة} أي كل ما غاب عن الخلق، وما لم يغب عنهم مما يشاهدونه أي العليم بكل شيء.
وقوله: {الكبير المتعال} أي الذي لا أكبر منه وكل كبير أمامه صغير المتعال على خلقه المنزه عن الشريك والشبيه والصاحبة والولد هذا هو الله وهذه صفاته فهل يليق بعاقل أن ينكر استحقاقه للعبادة دون سواه؟ فهل يليق بعاقل أن ينكر عليه أن يوحي بما شاء على من شاء من عباده؟ فهل يليق بعاقل أن ينكر على من هذه قدرته وعلمه أن يحيي العباد بعد أن يميتهم ليسألهم عن كسبهم ويحاسبهم عليه ويجزيهم به؟ اللهم لا إذاً فالمنكرون على الله ما دعاهم إلى الإيمان به لا يعتبرون عقلاء وإن طاروا في السماء وغاصوا في الماء.

هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-تقرير أصول العقيدة الثلاثة: التوحيد والنبوة البعث والجزاء الآخر.
2- صوارف الإيمان والتي هي كالأغلال ير التقليد الأعمى، والكبر والعناد.
3- عظيم قدرة الله تعالى وسعة علمه.
4-تقرير عقيدة القضاء والقدر.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سيدنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ.

‎10/‎26/‎2017

.تفسير سورة الرعد:

{سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ(10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ(11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ(12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ(13)}.

شرح الكلمات:
{وسارب بالنهار}: أي ظاهر في سربه أي طريقه.
{له معقبات }: أي ملائكة تتعقبه بالليل والنهار.
{من أمر الله}: أي بأمر الله تعالى وعن إذنه وأمره.
{لا يغير ما بقوم}: أي من عافية ونعمة إلى بلاء وعذاب.
{ما بأنفسهم }: من طهر وصفاء بالإيمان والطاعات إلى الذنوب والآثام.
{وما لهم من دونه من وال }: أي وليس لهم من دون الله من يلبي أمرهم فيدفع عنهم العذاب.
{من خيفته}: أي من الخوف منه وهيبته وجلاله.
وهو شديد المحال: أي القوة والمماحلة.

معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر جلال الله وعظيم قدرته وسعة علمه، قال تعالى في هذه الآية: {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به} فالله يعلم السر والجهر وأخفى {ومن هو مستخف بالليل} يمشى في ظلامه ومن هو {سارب بالنهار} أي يمشي في سربه وطر يقه مكشوفاً معلوماً لله تعالى، هذه الآية كالنتيجة لما تقدم من الدلائل على علم الله وقدرته وحكمته الموجبة لألوهيته وفيها تعريض بالمشركين المتآمرين على قتل النبي صلى الله عليه وسلم أو أذيته، وسواء: بمعنى مستو، وهو اسم يكون بين شيئين كالسر هنا والجهر أي: مستوى عنده السر والجهر.
وقوله تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}
جمع معقبة وهو مأخوذ من العقب الذي هو مؤخر الرجل فكل من اتبع آخر فقد تعقبه فهو متعقِّب له، وعقبه يعقبه فهو عاقب له: إذا جاء بعده، والمعقبات هنا: الملائكة لحديت "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" إذا صعدت ملائكة النهار أعقبتها ملائكة الليل وهكذا.
وقوله تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}
جائز أن يعود الضمير في "له" على من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار، فيكون المراد من المعقبات الحرس والجلاوزة الذين يحرسون السلطان من أمر الله تعالى في نظرهم، ولكن إذا أراده الله بسوء فلا مرد له وما له من دون الله من وال يتولى حمايته والدفاع عنه، وجائز أن يعود على الله تعالى ويكون المراد من المعقبات الملائكة الحفظة والكتبة للحسنات والسيئات ويكون معنى من أمر الله أي بأمره تعالى وإذنه، والمعنى صحيح في التوجيهين للآية وإلى الأول ذهب ابن جرير وإلى الثاني ذهب جمهور المفسرين.
الحفظة: جمع حافظ: ملائكة موكلون بالعبد يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من الجن، والشياطين، فإذا جاء أمر الله أي: قدره تخلّوا عنه والكتبة: جمع كاتب: ملك يكتب الحسنات وآخر يكتب السيئات.
وقوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} يخبر تعالى عن سنة من سننه في خلقه ماضية فيهم وهي أنه تعالى لا يزيل نعمة أنعم بها على قوم من عافية وأمن ورخاء بسبب إيمانهم وصالح أعمالهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من طهارة وصفاء بسبب ارتكابهم للذنوب وغشيانهم للمعاصي نتيجة الإعراض عن كتاب الله وإهمال شرعه وتعطيل حدوده والانغماس في الشهوات والضرب في سبيل الضلالات، وقوله تعالى: {وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال} هذا إخبار منه تعالى بأنه إذا أراد بقوم أو فردٍ أو جماعة سوءاً ما أي ما يسوءهم من بلاء وعذاب فلا مرد له بحال من الأحوال بل لا بد وأن يمسهم، ولا يجدون من دون الله من وال يتولى صرف العذاب عنهم، أما من الله تعالى فإنهم إذا أنابوا إليه واستغفروه وتابوا إليه فإنه تعالى يكشف عنهم السوء ويصرف عنهم العذاب، وقوله تعالى: {هو الذي يريكم البرق خوفاً} من الصواعق من جهة وطمعاً في المطر من جهة أخرى {وينشىء السحاب الثقال} أي وهو الذي ينشئ أي يبدء السحاب الثقال الذي يحمل الأمطار {ويسبح الرعد بحمده} أي وهو الذي يسبح الرعد بحمده وهو ملك موكل بالسحاب يقول:سبحان الله وبحمده. وقوله: {والملائكة من خيفته} أي خيفة الله وهيبته وجلاله فهي لذلك تسبحه أي تنزهه عن الشريك والشبيه والولد بألفاظ يعلمها الله تعالى، وقوله تعالى: {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله} أي في وجوده وصفاته وتوحيده وطاعته {وهو شديد المحال} هذه الآية نزلت فعلاً في رجل بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدعوه إلى الإسلام فقال الرجل الكافر لمن جاء من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رسول الله؟ وما الله أمن ذهب هو أم من فضة أم من نحاس؟ فنزلت عليه صاعقة أثناء كلامه فذهبت بقحف رأسه، ومعنى شديد المحال أي القوة والأخذ والبطش.
ذكر القرطبي: أن العلماء رحمهم الله تعالى ذكروا أن الله سبحانه وتعالى جعل أوامره على وجهين. أحدهما: قضى وقوعه وحلوله بصاحبه فهذا لا يدفعه أحد، والثاني: قضى مجيئه ولم يقض حلوله ووقوعه بل قضى صرفه بالتوبة والدعاء والصدقة.

هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- سعة علم الله تعالى.
2- الحرس والجلاوزة لمن يستخدمهم لحفظه من أمر الله تعالى لن يغنوا عنه من أمر الله شيئاً.
3- تقرير عقيدة أن لكل فرد ملائكة يتعاقبون عليه بالليل والنهار منهم الكرام الكاتبون، ومنهم الحفظة للإنسان من الشياطين والجان.
4- بيان سنة أن النعم لا تزول إلا بالمعاصي.
5- استحباب قول سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته عند سماع الرعد لورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ مختلفة.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سيدنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ.

‎‎10/‎27/‎2017

.تفسير سورة الرعد:

الآيات من الآية 14/الى الآية /16/.
{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ(14) وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ(15) قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ(16)}.

شرح الكلمات:
{له دعوة الحق} : أي لله تعالى الدعوة الحق أي فهو الإله الحق الذي لا إله إلا هو.
أي: الدعوة الصدق لله تعالى لأنه هو الذي يستجيب ويعطي السؤال وأما دعوة الأصنام، فإنها دعوة كذب وباطل، فإطلاق الإله على الله إطلاق حق وصدق، وإطلاق إله على صنم أو مخلوق فهو إطلاق كذب وباطل.
{ليبلغ فاه }: أي الماء فمه.
ضرب الله تعالى هذا المثل المائي لأن العرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقابض الماء باليد، قال الشاعر:
فأصبحت فيما كان بيني وبينها
من الودّ مثل القابض الماء باليد.
{إلا في ضلال} : أي في ضياع لا حصول منه على طائل.
بالغدو والآصال: أي البُكُر جمع بكرة، والعشايا جمع عشية.

معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير عقيدة التوحيد بالأدلة والبراهين، قال تعالى:
{له دعوة الحق} أي لله سبحانه وتعالى الدعوة الحق وهي أنه الإله الحق الذي لا إله إلا هو، أما غيره فإطلاق لفظ الإله إطلاق باطل، فالأصنام والأوثان وكل ما عبد من دون الله إطلاق لفظ إله عليه إطلاق باطل، والدعوة إلى عبادتهم باطلة، أما الدعوة الحق فإنها لله وحده.
وقوله تعالى: {والذين يدعون من دونه} أي من دون الله من سائر المعبودات {لا يستجيبون لهم بشيء} أي لا يجيبونهم بإعطائهم شيئاً مما يطلبون منهم {إلا كباسط كفيه إلى الماء} أي إلا كاستجابة من بسط يديه أي فتحهما ومدهما إلى الماء والماء في قعر البئر فلا كفاه تصل إلى الماء ولا الماء يصل إلى كفيه وهو عطشان ويظل كذلك حتى يهلك عطشاً، هذا مَثَلُ من يعبد غير الله تعالى بدعاء أو ذبح أو نذر أو خوف أو رجاء فهو محروم الاستجابة خائب في مسعاه ولن تكون له عاقبة إلا النار والخسران وهو معنى قوله تعالى {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} أي بطلان وخسران.
وقوله تعالى: {ولله يسجد من في السماوات} أي الملائكة {والأرض} أي من مؤمن يسجد طوعاً، ومنافق أي يسجد كرها، {وظلالهم} تسجد أيضاً {بالغدو} أوائل النهار، {والآصال} أواخر النهار.
الآصال: جمع أصل: وهو جمع أصيل وهو ما بين العصر والمغرب. وجمع الجمع أصائل، قال الشاعر:
لعمري لأنت البيت أكرم أهلّه
وأقعد في أفيائه بالأصائل.
ومعنى الآية الكريمة: إذا لم يسجد الكافرون أي لم ينقادوا لعبادة الله وحده تعالى فإنَّ لله يسجد من في السماوات من الملائكة، ومن في الأرض من الجن والإنس المؤمنون يسجدون طائعين والكافرون يسجدون إذا أكرهوا على السجود والمنافقون يسجدون مكرهين.
وظلالهم تسجد في البكر والعشايا كما أنهم منقادون لقضاء الله تعالى وحكمه فيهم لا يستطيعون الخروج عنه بحال فهو الذي خلقهم وصورهم كما شاء ورزقهم ما شاء ويميتهم متى شاء فأي سجود وخضوع وركوع أظهر من هذا؟
وقوله تعالى: {قل من رب السماوات والأرض} أي من خالقهما ومالكهما ومدبر الأمر فيهما؟ وأمر رسوله أن يسبقهم إلى الجواب {قل الله} إذ لا جواب لهم إلا هو، وبعد أن أقروا بأن الرب الحق هو الله، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم موبخاً مقرعاً {أفاتخذتم من دونه أولياء} ، أي شركاء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً فضلاً عن أن يملكوا لكم نفعاً أو يدفعون عنكم ضراً فأين يذهب بعقولكم أيها المشركون، ومبالغة في البيان وإقامة للحجة والبرهان على وجوب التوحيد وبطلان الشرك والتنديد أمر رسوله أن يقول لهم:
{هل يستوى الأعمى والبصير، أم هل تستوي الظلمات والنور}؟ والجواب قطعاً لا إذاً فكيف يستوي المؤمن والكافر، وكيف يستوي الهدى والضلال، فالمؤمن يعبد الله على بصيرة على علم أنه خالقه ورازقه يعلم سره ونجواه يجيبه إذا دعاه أرسل إليه رسوله وأنزل عليه كتابه، والكافر المشرك يعبد مخلوقاً من مخلوقات الله لا تملك لنفسها فضلاً عن عابديها نفعاً ولا ضراً لا تسمع نداءً ولا تجيب دعاء، المؤمن يعبد الله بما شرع له من عبادات وبما طلب منه من طاعات وقربات، والكافر المشرك يعبد الباطل بهواه، ويسلك سبيل الغيّ في الحياة.
وقوله: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} أي بل جعلوا لله شركاء فخلقت تلك الشركاء مخلوقات كخلق الله فتشابه الخلق على المشركين فعبدوها ظناً منهم أنها خلقت كخلق الله؟ والجواب لا فإنها لم تخلق ولا تستطيع خلق ذبابة فضلاً عن غيرها إذاً فكيف تصح عبادتها وهي لم تخلق شيئاً.
أم: للإضراب الانتقالي من قضية إلى أخرى واختيار العمى والبصر والنور والظلمات لبيان أنّ حال المؤمنين وحال الكافرين في تضاد فالمؤمنون مبصرون يمشون في النور، والكافرون عمي يمشون في الظلمات.
هذا من تمام الاحتجاج والاستفهام للإضراب الانتقالي، وهو للتهكم بالمشركين، فالمعنى: لو جعلوا لله شركاء يخلقون فخلقوا كما يخلق الله فتشابه الخلق عليهم لكانوا معذورين ولكنهم لم يخلقوا ولن يخلقوا.
وقوله تعالى: {قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار} أي قل أيها الرسول للمشركين عند اعترافهم بأن آلهتهم لم تخلق شيئاً قل لهم: الله خالق كل شيء وهو الواحد الذي لا شريك له ولا ند ولا مِثْلَ، القهار لكل جبار والمذل لكل معاند كفار، هو المستحق للعبادة الواجب له الطاعة، الإيمان به هدى والكفر به ضلال..
في الآية رد على الملاحدة الشيوعيين الذين ينكرون وجود الله جل جلاله ورد على القدرية الذين يزعمون أنهم يخلقون أفعالهم والله يقول: {والله خالق كل شيء} فلا يخرج شيء عن كونه مخلوقاً لله تعالى.

هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- دعوة الحق لله وحده فهو المعبود بحق لا إله غيره ولا رب سواه.
2- حرمان المشركين من دعائهم وسائر عباداتهم.
3- الخلق كلهم يسجدون لله طوعاً أو كرهاً إذ الكل خانع خاضع لحكم الله وتدبيره فيه.
4- مشروعية السجود للقارئ والمستمع إذا بلغ هذه الآية {وظلالهم بالغدو والآصال} ويستحب أن يكون ظاهراً مستقبلاً القبلة، ويكبر عند الخفض والرفع ولا يسلم.
5- بطلان الشرك إذ لا دليل عليه من عقل ولا نقل.
6- وجوب العبادة لله تعالى.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سيدنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ.

‎‎‎10/‎28/‎2017

.تفسير سورة الرعد:
الآيتان /17/18/.
{أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ(17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(18)}.

شرح الكلمات:.
{فسالت أودية بقدرها}: أي بمقدار مائها الذي يجري فيها.
{زبداً رابياً}: أي غثاء عالياً إذ الزبد هو وَضَرُ غليان الماء أو جريانه في الأنهار.
{ومما يوقدون عليه في النار}: أي كالذهب والفضة والنحاس.
{ابتغاء حلية أو متاع}.: أي طلباً لحلية من ذهب أو فضة أو متاع من الأواني.
{زبد مثله}: أي مثل زبد السيل.
{فأما الزبد}: أي زبد السبل أو زبد ما أوقد عليه النار.
{ابتغاء}: مفعول لأجله، والحلية: ما يتحلى به، أي يتزيّن، والمتاع ما يتمتع به وينتفع.
{فيذهب جفاء} : أي باطلاً مرمياً به بعيداً إذ هو غثاء ووضر لا خير فيه.
{فيمكث في الأرض}: أي يبقى في الأرض زمناً ينتفع به الناس.
{للذين استجابوا لربهم الحسنى }: أي للذين آمنوا وعملوا الصالحات الجنة.
{لم يستجيبوا}: أي لم يؤمنوا به ولم يطيعوه.
{لافتدوا به}: أي من العذاب.
{سوء المهاد}: وهي المؤاخذة بكل ذنب عملوه لا يغفر لهم منه شيء.
{وبئس المهاد}: أي الفراش الذي أعدوه لأنفسهم وهو جهنم.

معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير التوحيد والتنديد بالكفر والشرك ففي هذه الآية الكريمة ضرب الله تعالى مثلاً للحق والباطل، للحق في بقائه، والباطل في اضمحلاله وتلاشيه فقال: {أنزل} أي الله {من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها} أي بحسب كبرها وصغرها لأن الوادي قد يكون كبيراً وقد يكون صغيراً، فاحتمل السيل أي حمل سيل الماء في الوادي زبداً رابياً أي غثاء ووضراً عالياً على سطح الماء، هذا مثل مائي، ومثل ناري قال فيه عز وجل: {ومما يوقدون عليه في النار} أي ومما يوقد عليه الصاغة والحدادون {ابتغاء حلية} أي طلباً للحلية ، {أو متاع} أي طلباً لمتاع يتمتع به كالأوانى إذ الصائغ أو الحداد يضع الذهب أو الفضة أو النحاس في البوتقة وينفخ عليها بالكير فيعلو ما كان فاسداً غير صالح على صورة الزبد4 وما كان صالحاً يبقى في البوتقة وهو الذي يصنع منه الحلية والمتاع، وقوله تعالى: {كذلك} أي المذكور من الأمور الأربعة مثلي الحق وهما الماء والجوهر ومثلي الباطل وهما زبد الماء وزبد الجوهر
{فأما الزبد فيذهب جفاء} أي باطلاً مرمياً به يرميه السيل إلى ساحل الوادي فيعلق بالأشجار والأحجار ويرميه الصائغ عن بوتقته، وأما ما ينفع الناس من الماء للسقي والري فيمكث في الأرض، وكذا ما ينفع من الحلي والمتاع يبقى في بوتقة الصائغ والحداد.
وقوله تعالى: {كذلك يضرب الله الأمثال} أي مثل هذا المثل الذي ضربه للحق في بقائه والباطل في ذهابه وتلاشيه وإن علا وطغا في بعض الأوقات، {يضرب} أي بين الأمثال، ليعلموا فيؤمنوا ويهتدوا فيكملوا ويسعدوا.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (17) .
وأما الآية الثانية (18) فقد أخبر تعالى بوعد له ووعيد أما وعده فلأهل طاعته بأن لهم الحسنى الجنة وأما وعيده فلأهل معصيته وهو أسوأ وعيد وأشده، فقال تعالى في وعده:
{للذين استجابوا لربهم الحسنى}ومن الحسنى: النصر في الدنيا والتمكين فيها لأهل التوحيد.
وقال في وعيده: {والذين لم يستجيبوا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً} أي من مال ومتاع {ومثله معه} أيضاً لافتدوا به من العذاب الذي تضمنه هذا الوعيد الشديد، ويعلن عن الوعيد فيقول: {أولئك} أي الأشقياء {لهم سوء الحساب} وهو أن يحاسبوا على كل صغيرة وكبيرة في أعمالهم ولا يغفر لهم منها شيء {ومأواهم جهنم} أي مقرهم ومكان إيوائهم {وبئس المهاد} أي الفراش جهنم لهم.

هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأذهان.
{أودية} جمع واد، والوادي اسم للماء السائل هنا إذ الوادي وهو أخدود بين مرتفعين لا يسيل وإنما يسيل الماء فيه، ومعنى: {بقدرها}: أي: بقدر ملئها.
2- ثبات الحق، واضمحلال الباطل سنة من سنن الله تعالى.
3- بيان وعد الله للمستجيبين له بالإيمان والطاعة وهي الجنة.
4- بيان وعيد الله لمن يستجب له بالإيمان والطاعة.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سيدنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mohamadalzabe.yoo7.com
 
سورة الرعد - 1-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشيخ محمد امين الزعبي :: دراسات قرآنية-
انتقل الى: