الشيخ محمد امين الزعبي
بسم الله الرحمن الرحيم
أهلا وسهلا بكم في منتدى الشيخ محمد أمين الزعبي
الشيخ محمد امين الزعبي
بسم الله الرحمن الرحيم
أهلا وسهلا بكم في منتدى الشيخ محمد أمين الزعبي
الشيخ محمد امين الزعبي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشيخ محمد امين الزعبي

خطب دينية -صوتيات- فتاوى - تفسير وشرح القرآن الكريم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير سورة هود -3-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد الزعبي
المدير العام للموقع



المساهمات : 694
تاريخ التسجيل : 11/04/2008

تفسير سورة هود -3- Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة هود -3-   تفسير سورة هود -3- I_icon_minitimeالأحد مارس 18, 2018 10:07 pm

تفسير سورة هود
الآيات /35/36/37/38/39/.
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ(37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ(39 )}.

شرح الكلمات:
{وأوحى إلى نوح} : أي اعلم بطريق الوحي الذي هو الإعلام السريع الخفي.
{فلا تبتئس }: لا تحزن ولا يشتد بك الحزن فإني منجيك ومهلكهم.
{الفلك }: أي السفينة التي أمرناك بصنعها لحمل المؤمنين عليها.
{سخروا منه }: أي استهزئوا به كقولهم: تحمل هذا الفلك إلى البحر أو تحمل البحر إليه.
{يخزيه }: أي يذله ويهينه.
{ويحل عليه عذاب مقيم} : أي وينزل به عذاب النار يوم القيامة فلا يفارقه.

معنى الآيات:
عاد السياق بعد الاعتراض بالآية (35) إلى الحديث عن نوح وقومه فقال تعالى :{وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن}. وهذا بعد دعوة دامت قرابة ألف سنة إلاخمسين عاماً أي فلم يؤمن بعد اليوم أحد من قومك وعليه فلا تبتئس أي لا تغتم ولا تحزن بسبب ما كانوا يفعلون من الشر والفساد والكفر والمعاصي فإني منجيك ومن معك من المؤمنين ومهلكهم بالغرق.
//روي أنَّ رجلاً من قوم نوح مرّ بنوح وهو يحمل طفلهُ فلما رأى الطفل نوحاً قال لأبيه ناولني حجراً فناوله إياها فرمى بها نوحاً فأدماه، فأوحى الله تعالى إلى نوح: {أنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن..}.//
وقوله تعالى في الآية الثانية (37) {واصنع الفلك بأعيينا ووحينا}
أي وأمرناه أن يصنع الفلك أي السفينة تحت بصرنا وبتوجيهنا وتعليمنا. إذ لم يكن يعرف السفن ولا كيفية صنعها .
وقوله :{ولا تخاطبني في الذين ظلموا} أي لا تسألني لهم صرف العذاب ولا تشفع لهم في تخفيفه عليهم، لأنا قضينا بإهلاكهم بالطوفان فهم لا محالة مغرقون .
قوله تعالى {ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه}
يخبر تعالى عن حال نوح وهو يصنع الفلك بقطع الخشب ونجره وتركيبه وقومه يمرون عليه وكلما مرّ عليه أشراف القوم وعليتهم يسخرون منه كقولهم يا نوح أصبحت نجاراً أو وهل تنقل البحر إليها، أو تنقلها إلى البحر فيرد عليهم نوح عليه السلام بقوله:
{إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون} أي منا فسوف تعلمون أي مستقبلاً من يأتيه عذاب يخزيه أي يذله ويهينه ويكسر أنف كبريائه، ويحل عليه عذاب مقيم وهو عذاب النار يوم القيامة وهو عذاب دائم لا ينتهى أبداً.

هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- كراهية الحزن والأسى والأسف على ما يقوم به أهل الباطل والشر والفساد.//الابتئاس:افتعال من البؤس الذي هو الهمّ والحزن. قال الشاعر:
وكم من خليل أو حميم رزأته
فلم ابتئس والرزء فيه جليل//.
2- بيان تاريخ صنع السفن وانها بتعليم الله لنوح عليه السلام.
//اختلفت الأقوال في مدّة صنع السفينة، أكثرها أنها: أربعون سنة. وجائز أن تكون أكثر، لأن عمل فرد واحد في صنع سفينة يتطلب وقتاً طويلاً أمّا حجمها فيدل على كبره ما حمل فيها، إذ حمل فيها كل مؤمن ومؤمنة ومن كل زوجين اثنين، فحجمها لا شك أنه واسع كبير، وقيل: كانت السفينة ثلاث طبقات: السفلى للدواب والوحوش، والوسطى للإنس، والعليا للطيور. والله اعلم، والحديث عن طول السفينة وعرضها ومادتها كله من باب علم لا ينفع وجهالة لا تضر.//
3- بيان سنة البشر في الاستهزاء والسخرية بأهل الحق ودعاته لظلمة نفوسهم بالكفر والمعاصي.
4 بيان صدق وعد الله رسله.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

‏الإثنين, ‏22 ‏ذو القعدة, ‏1438

تفسير سورة هود
الآيات /40/41/42/43/44.
{حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ(40) وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ(42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ(43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(44)}.

شرح الكلمات:
{فار التنور}: أي خرج الماء وارتفع من التنور وهو مكان طبخ الخبز.
//الفوران: غليان القدر، ويطلق على نبع الماء بشدة تشبيها بفوران ماء في القدر إذا غلى، والتنور: اسم لموقد النار للخبز.//
{زوجين اثنين} : أي من كل ذكر وأنثى من سائر أنواع المخلوقات اثنين.
{وأهلك}: أي زوجتك وأولادك.
{مجريها ومرساها} :أي إجراؤها وإرساؤها.
{في موج كالجبال }: الموج ارتفاع ماء البحر وكونه كالجبال أي في الارتفاع.
{يعصمني من الماء }: يمنعني من الماء أن يغرقني.
{وغيض الماء}: أي نقص بنضوبه في الأرض.
{على الجودي} : أي فوق جبل الجودي وهو جبل بالجزيرة غرب الموصل.
{بعدا للقوم الظالمين}: أي هلاكاً لهم.

معنى الآيات:
مازال السياق في الحديث عن نوح وقومه قال تعالى:
{حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور} أي واصل صنع السفينة حتى إذا جاء أمرنا أي بإهلاك المشركين، وفار التنور أي خرج الماء من داخل التنور وفار وتلك علامة بداية الطوفان فاحمل فيها أي في السفينة التي صنعت من كل زوجين اثنين أي من كل نوع من أنواع الحيوانات زوجين أي ذكراً وأنثى, وأهلك أي واحمل أهلك من زوجة وولد كسام وحام ويافث إلا من سبق عليه القول أي بالإهلاك كامرأته واعلة وولده كنعان. ومن آمن أي واحمل من آمن من سائر الناس.
//قرأ حفص { من كلٍ} بتنوين كل فالتنوين عوض عن مضاف إليه أي: من كل المخلوقات، و {زوجين} مفعول لـ (احمل)، واثنين: نعت له وقرأ الجمهور بإضافة كل إلى زوجين، والمراد بالزوجين هنا: الذكر والأنثى من كل نوع من أنواع الحيوانات.//
{وما آمن معه إلا قليل} أي نحو من ثمانين رجلاً وامرأة هذا ما دلت عليه الآية الأولى (40) .
أما الثانية فقد أخبر تعالى فيها أن نوحاً قال لجماعة المؤمنين:
{اركبوا فيها} أي في السفينة {باسم الله مجراها ومرساها} أي باسم الله تجري وباسم الله ترسو أي تقف ..
//قرأ الجمهور بضم الميم في كل من مجراها، ومرساها، وهما مصدران من: أجرى وأرسى، وقرأ عاصم بفتح ميم مجراها، وضم ميم مرساها كالجمهور، ولم يفتح ميم مرساها لاشتباهه. حينئذ المرسى مكان الرسو، وقرىء مجريها، ومرسيها باسم الفاعل أي: بسم الله مجريها ومرسيها.//
{إن ربي لغفور رحيم} أي فهو لا يهلكنا بما قد يكون لنا من ذنب ويرحمنا فينجينا ويكرمنا.
وقوله تعالى في الآية الثالثة (42) {وهي تجري بهم في موج كالجبال} وصف للسفينة وهي تغالب الماء وتمخر عبابه وأمواج الماء ترتفع حتى تكون كالجبال في ارتفاعها وقبلها نادى نوح ابنه كنعان، وهو في هذه الساعة في معزل أي من السفينة حيث رفض الركوب فيها لعقوقه وكفره فقال له {يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين} فتغرق كما يغرقون فأجاب الولد قائلاً { سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) }
قال ابن نوح: سألجأ إلى جبل أتحصَّن به من الماء، فيمنعني من الغرق، فأجابه نوح: لا مانع اليوم من أمر الله وقضائه الذي قد نزل بالخلق من الغرق والهلاك إلا مَن رحمه الله تعالى، فآمِنْ واركب في السفينة معنا، وحال الموج المرتفع بين نوح وابنه، فكان من المغرقين الهالكين.
{ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) }
وقال الله للأرض -بعد هلاك قوم نوح -: يا أرض اشربي ماءك، ويا سماء أمسكي عن المطر، ونقص الماء ونضب، وقُضي أمر الله بهلاك قوم نوح، ورست السفينة على جبل الجوديِّ، وقيل: هلاكًا وبعدًا للقوم الظالمين الذين تجاوزوا حدود الله، ولم يؤمنوا به.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

تفسير سورة هود عليه السلام
.تفسير الآيات (45- 49):

{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)}.

.شرح الكلمات:

{من أهلي}: أي من جملة أهلي من ازواج وأولاد.
{وإن وعدك الحق}: أي الثابت الذي لا يخلف.
{إنه عمل غير صالح}: أي إن سؤالك هذا إياي عمل غير صالح.
{أعظك}: أي أنهاك وأخوفك من أن تكون من الجاهلين.
{من الجاهلين}: أي من الذين لا يعرفون جلالي وصدق وعدي ووفائي فتسألني ما ليس لك به علم.
{سنمتعهم}: أي بالأرزاق والمُتع إلى نهاية آجالهم ثم يحل بهم عذابي وهم الكفرة.
{للمتقين}: أي الذين يتقون الله فيعبدونه ولا يشركون به شيئا.
.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الحديث عن نوح وقومه قال تعالى: {ونادى نوح ربّه} أي دعاه سائلا {ربّ إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين}، وهذا كان منه حال الإِركاب في الفلك، وامتناع ولده كنعان من الركوب أي إن ولدي كنعان من زوجتي ومن جملة أولادي، وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي ومن معي من المؤمنين، {وإن وعدك الحق} أي الذي لا خلف فيه ابداً، {وأنت أحكم الحاكمين} أعلمهم وأعدلهم، وهذا ابني قد استعصى عنّي ولم يركب معي وسيهلك مع الهالكين إن لم ترحمه يا رب العالمين فأجابه الرب تبارك وتعالى بقوله الحق:
{إنه ليس من أهلك} أي الذين وعدتك بإِنجائهم لأنه على غير دينك وعلى خلاف منهجك، {إنه عمل غير صالح} أي إن سؤالك هذا إليّ بإِنجاء ولدك وهو كافر على غير ملتك، وقد أعلمتك إني مغرق الكافرين. سؤالك هذا عمل غير صالح يصدر عنك: {إني أعظك} أي أنهاك وأخوفك {أن تكون من الجاهلين} فتسألني ما ليس لك به علم.
قال نوح عليه السلام: {ربّ} أي يا رب إنّي أعوذ بك أي استجير وأتحصن بك أن أسألك بعد الآن ما ليس لي به علم.
وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين أي الذين غبنوا أنفسهم حظوظها فهلكوا، فأجابه الرب تعالى: {يا نوح اهبط} من السفينة أنت ومن معك من المؤمنين بسلام منا أي بأمن منا وتحيات، وبركات عليك وعلى أمم ممن معك أي من ذريّة من معك، فلا تخافوا جوعاً ولا شقاء، وأمم من ذريّة من معك سنمتعهم متاع الحياة الدنيا بالأرزاق ثم يمسهم منا عذاب أليم، يوم القيامة لأنهم ينحرفون عن الإِسلام ويعيشون على الشرك والكفر.
وهذا من علم الغيب الذي أخبر الله تعالى به فكان كما أخبر فقد نشأت أجيال وأجيال من ذريّة نوح عليه السلام منهم الكافر ومنهم المؤمن وفي الجميع ينفذ حكم الله ويتم فيهم وعده ووعيده.
وقوله تعالى في الآية (49) وهي الأخيرة في هذا السياق يقول تعالى: {تلك من أنباء الغيب نوحيها} أي هذه القصة التي قصصناها عليك من أنباء الغيب الذي لا يعلم تفصيله إلا الله نوحيها إليك ضمن آيات القرآن ما كنت تعلمها أنت ولا قومك على وجه التفصيل من قبل هذا القرآن
إذاً فاصبر يا رسولنا على أذى قومك مبلغاً دعوة ربك حتى يأتيك نصرنا فإن العاقبة الحسنى الحميدة دائما للمتقين ربهم بطاعته والصبر عليها حتى يَلْقوهُ مؤمنين صابرين محتسبين.
.من هداية الآيات:

1- رابطة الإِيمان التقوى أعظم من رابطة النسب.
2- حرمة العمل بغير علم فلا يحل القدوم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه.
3- ذم الجهل وأهله.
4- شرف نوح عليه السلام وانه أحد أولى العزم من الرسل.
5- بيان العبرة من القصص القرآني وهي تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
6- تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وإصباتها ببرهان عقلي وهو الإِخبار بالغيب الذي لا يعلم إلا من طريق الوحي.
7- بيان فضل الصبر، وأن العاقبة الحميدة للمتقين وهم أهل التوحيد والعمل الصالح.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

‏الأربعاء, ‏24 ‏ذو القعدة, ‏1438

تفسير سورة هود عليه السلام

تفسير الآيات (50- 52):

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)}
.شرح الكلمات:

{وإلى عاد أخاهم هودا}: أي وأرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم في النسب لا في الدين أخاهم هوداً.
وهود من قبيلة عاد وعاد من ولد سام بن نوح عليه السلام.
{اعبدوا الله}: أي اعبدوه وحده ولا تعبدوا معه غيره.
{ما لكم من إله غيره}: أي ليس لكم معبود بحق يستحق عبادتكم غيره.
{إن أنتم إلا مفترون}: أي ما أنتم في تأليه غير الله من الأوثان إلا كاذبون.
{لا أسألكم عليه أجرا}: أي لا أطلب منك أجراً على إبلاغي دعوة التوحيد إليكم.
{فطرني}: أي خلقني.
{مدرارا}: أي كثيرة الدرور للمطر النازل منها.
{ولا تتولوا مجرمين}: أي ولا تعرضوا عن دعوة التوحيد مجرمين على أنفسكم بالشرك بالله.

.معنى الآيات:
هنا شروع في قصة هود مع قومه عاد بعد قصة نوح عليه السلام ومغزى القصة تقرير توحيد الله ونبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
قال تعالى: {وإلى عاد أخاهم هوداً} أي وأرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هوداً وهو أخوهم في النسب وأول من تكلم بالعربية فهو أحد أربعة أنبياء من العرب وهم هود، وصالح، وشعيب، ومحمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {قال يا قوم اعبدوا الله} أي قال هود لقومه بعد أن أرسله الله إليهم يا قوم اعبدوا الله أي وحدوه في عبادته فلا تعبدوا معه غيره فإِنه ما لكم من إله غير الله سبحانه وتعالى.
وقوله: {إن أنتم إلاّ مفترون} أي ما أنتم في عبادة غير الله من الأصنام والأوثان إلاّ كاذبون، إذ لم يأمركم الله تعالى ربكم بعبادتها، وإنما كذبتم عليه في ذلك.
وقوله: {يا قوم لا أسألكم عليه اجرا} يريد لا أسألكم على دعوتي إياكم إلى توحيد ربكم لتكملوا بعبادته وتسعدوا أجراً أي مالاً
{إن أجري إلا على الله الذي فطرني} أي ما أجري إلا على الله الذي خلقني.
وقوله: {أفلا تعقلون} أي أفلا تعقلون أنّي لو كنت أبغي بدعوتي إلى التوحيد أجراً لطلبت ذلك منكم، غير أني لم أطلب من غير ربي أجراً فبان بذلك صدقي في دعوتكم ونصحي لكم.
وقوله تعالى عن قيل هود: {يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} يخبر تعالى أن هوداً نادى قومه فقال يا قوم استغفروا ربكم أي آمنوا به واطلبوا منه المغفرة لذنوبكم، ثم توبوا إليه أي ارجعوا إلى عبادته وحده بما شرع لكم على لسان نبيكم، واتركوا عبادة غيره يكافئكم بأن يرسل السماء عليكم مدرارا أي بالأمطار المتتالية بعد الذي أصابكم من الجفاف والقحط والجدب، ويزدكم قوة روحية إلى قوتكم المادية.
وقوله: {ولا تتولوا مجرمين} ينهاهم ناصحاً لهم أن يرفضوا نصيحته ويرجعوا إلى عبادة الأوثان فيُجْرِمُوا على أنفسهم بإِفسادها بأوضار الشرك والعصيان.

.من هداية الآيات:

1- دعوة الرسل من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم واحدة هي: أن يَعُبَدَ الله وحده.
2- تقرير مبدأ لا إله إلا الله.
3- المشركون والمبتدعون الكل مفترون على الله كاذبون حيث عبدوه بما لم يشرع لهم.
4- وجوب الإِخلاص في الدعوة.
5- فضل الاستغفار ووجوب التوبة.
6- تقديم الاستغفار على التوبة مشعر بأن العبد إذا لم يعترف أولا بذنبه لا يمكنه أن يتوب منه.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

‏الخميس, ‏25 ‏ذو القعدة, ‏1438

تفسير سورة هود عليه السلام

.تفسير الآيات (53- 57):

{قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)}.

شرح الكلمات:

{بيّنة}: أي بحجة وبرهان على صحة ما تدعونا إليه من عبادة الله وحده.
{وما نحن بتاركي آلهتنا}: أي عبادة آلهتنا لأجل قولك إنها لا تستحق أن تعبد.
{إلا اعتراك}: أي أصابك.
{بسوء}: أي بِخَبَل فأنت تهذي وتقول ما لا يقبل ولا يعقل.
{ثم لا تنظرون}: أي لاَ تمهلون.
{آخذ بناصيتها}: أي مالكها وقاهرها ومتصرف فيها, فلا تملك نفعاً ولا ضراً إلا بإِذنه.
{إن ربي على صراط مستقيم}: أي على طريق الحق والعدل.
{فإِن تولوا}: أصلها تتولوا فعل مضارع حذفت منه إحدى التائبين ومعناه تُدبروا.
{على كل شيء حفيظ}: أي رقيبٌ ولابد انه يجزي كل نفس بما كسبت.

معنى الآيات:

ما زال السياق في قصة هود عليه السلام مع قومه إذ أخبر تعالى عن قيلِ قومِ هودٍ إلى هودٍ فقال: {قالوا يا هود ما جئتنا ببينّة} أي بحجة أو برهان على صحة ما تدعونا إليه من عبادة الله وترك عبادة آلهتنا والاعتراف بنبوتك {وما نحن بتاركي آلهتنا} أي عبادتها {عن قولك} أي من أجل قولك انها لا تستحق أن تعبد لكونها لا تنفع ولا تضر
{وما نحن لك بمؤمنين} أي بمتابعين لك على دينك ولا مصدقين لك فيما تقول {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} أي ما نجد ما نقول فيك إلا أن بعض آلهتنا التي تسبها وتشتمها قد أصابتك بسوء بخبل وجنون فأنت تهذر وتهذي ولا تدري ما تقول.
فأجابهم قائلا {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون} فأعلن براءته في وضوح من آلهتهم وأنه لا يخافها إبطالا لدعواهم أنَّها أصابته بسوء، وأعلمهم أنه يشهد الله على ذلك، ثم أمرهم أن يشهدوا هم كذلك.
وقوله: {من دونه} أي من دون الله من سائر الآلهة والشركاء ثم تحداهم مستخفا بهم وبآلهتهم، فقال: {فكيدوني جميعا} أي احتالوا على ضري ثم لا تنظرون أي لا تؤخرون ولا تمهلون، ثم كشف لهم عن مصدر قوته وهو توكله على ربّه فقال:
{إني توكلت على الله ربي وربكم} أي فوضت أمري إليه وجعلت كل ثقتي فيه فهو لا يسلمني إليكم ولا يخذلني بينكم.
ثم أعلمهم بإِحاطة قدرة الله بهم وقهره لهم فقال: {وما من دابّة إلا هو آخذ بناصيتها} أي قاهر لها متحكم فيها يقودها حيث شاء وينزل بها من العذاب ما يشاء، ثم أعلمهم أن ربّه تعالى على طريق العدل والحق فلا يُسلط أعداءه على أوليائه، فقال:
{إن ربّي على صراط مستقيم} فلذا أنا لست بخائف ولا وَجِلٍ ثُمَّ قال لهم :{فإِن تولوا} أي فإِن تدبروا عن الحق وتعرضوا عنه فغير ضائري ذلك إذ أبلغتكم ما أرسلني به ربي إليكم وسيهلككم ويستخلف قوما غيركم، ولا تضروه شيئا من الضرر لا قليلا ولا كثيراً
{إن ربّي على كل شيء حفيظ} أي رقيب، وسيجزي كلا بما كسب بعدله ورحمته.
وله الحمد والمنة.

من هداية الآيات:

1- بيان مدة مجاحدة ومكابرة المشركين في كل زمان ومكان.
2- تشابه الفكر الشركي وأحوال المشركين إذ قول قوم هود :{إن نقول إلا اعتراك}..الخ.
3- مواقف أهل الإِيمان واحدة فما قال نوح لقومه متحدياً لهم قاله هود لقومه.
4- تقرير مبدأ أن كل شيء في الكون خاضع لتدبير الله لا يخرج عما أراده له أو به.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

‏الجمعة, ‏26 ‏ذو القعدة, ‏1438

تفسير سورة هود عليه السلام


.تفسير الآيات (58- 60):

{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)}.

شرح الكلمات:

{ولما جاء أمرنا}: أي بعذابهم وهي الريح الصرر.
{برحمة منا}: أي بفضل منا ونعمة.
{جبار عنيد}: أي مستكبر عن الحق لا يذعن له ولا يقبله.
{ويوم القيامة}: أي ولعنة في يوم القيامة.
{ألا بعداً لعاد}: أي هلاكاً لعاد وإبعاداً لهم من كل رحمة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في هود وقومه قال تعالى: {ولما جاء أمرنا} أي عذابنا
{نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة منا} أي بلطف وفضل ونعمة {ونجيناهم من عذاب غليظ} هو عذاب يوم القيامة فهما نجاتان
-1-نجاة في الدنيا من عذاب الريح العقيم الصرر التي دمرت كل شيء بأمر ربها
-2-ونجاة من عذاب النار يوم القيامة وهي أعظم.
وقوله تعالى: {وتلك عاد} أي هذه عاد قوم هود جحدوا بآيات ربهم فلم يؤمنوا وعصوا رسله أي هوداً وجمُع لأن من كذب برسول كأنما كذب بكل الرسل {واتبعوا أمر كل جبار عنيد} أي اتبعوا أمر دعاة الضلالة من أهل لكبر والعناد للحق فقادوهم إلى سخط الله وأليم عقابه.
وقوله: {واتبعوا في هذه الدنيا لعنة} أي اتبعهم الله غضبه وسخطه وهلاكه، ويوم القيامة كذلك وأشد.
ويختم الحديث عن هذه القصة بقول الله تعالى: {ألا إن عاداً كفروا ربهم} أي جحدوه فلم يعترفوا بألوهيته وعبادته {ألا بعداً} أي هلاكاً لعادٍ قوم هود.
فهل يعتبر مشركو قريش بهذه القصة فيؤمنو ا ويوحدوا فينجوا ويفلحوا.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد إذ القصة كلها مسوقة لذلك.
2- بيان سنة الله في الأولين وهي انه يبعث الرسل مبشرين ومنذرين فَإِنِ استجابَ المرسل إليهم سعدوا، وإن لم يستجيبوا يمهلهم حتى تقوم الحجة عليهم ثم يهلكهم، وينجي المؤمنين.
3- التنديد بالكبر والعناد إذ هما من شر الصفات الخلقية في الإِنسان.
4- اتباع الطغاة والظلم والكفر والفساد لا تقود إلا إلى الدمار والخسار.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

‏السبت, ‏27 ‏ذو القعدة, ‏1438

تفسير سورة هود عليه السلام


.تفسير الآيات (61- 63):

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)}.

.شرح الكلمات:

{وإلى ثمود}: أي وأرسلنا إلى قبيلة ثمود.
{أخاهم صالحا}: أي في النسب لأنه من قبيلة ثمود، بينه وبين ثمود أبي القبيلة خمسة أجداد.
{واستعمركم}: أي جعلكم عماراً فيها تعمرونها بالسكن والإِقامة فيها.
{قريب مجيب}: أي من خلقه، إذ العوالم كلها بين يديه ومجيب أي لمن سأله.
{مرجوا قبل هذا}: أي قبل أن تقول ما قلت كنا نرجو أن تكون سيداً فينا.
{أرأيتم}: أي أخبروني.
{على بيّنة من ربي}: أي على علم بربي علمنيه سبحانه وتعالى فهل يليق بي أن أعبد غيره.
{غير تخسير}: أي خسار وهلاك.

.معنى الآيات:

هذه بداية قصة صالح عليه الصلاة والسلام مع قومه إذ قال تعالى مخبراً عن إرساله إلى قومه :{وإلى ثمود أخاهم صالحا} أي وأرسلنا إلى قبيلة ثمود بالحجر بين الحجاز والشام أخاهم في القبيلة لا في الدين صالحاً. فقال: {يا قوم أعبدوا الله ما لكم من إله غيره} فناداهم بعنوان القومية جمعا لقلوبهم على ما يقول لهم فقال:
{يا قوم اعبدوا الله} أي آمنوا به ووحدوه في عبادته فلا تعبدوا معه أحداً, إذ ليس لكم من إله غيره, إذ هو ربكم أي خالقكم ورازقكم ومدير أمركم.
{أنشأكم من الأرض} أي ابتدأ خلقكم بخلق أبيكم آدم منها {واستعمركم فيها} أي جعلكم تعمرونها بالسكن فيها والعيش عليها. إذا فاستغفروه بالاعتراف بألوهيته ثم توبوا إليه فاعبدوه وحده ولا تشركوا في عبادته أحداً.
وقوله: {إنّ ربّي قريب مجيب} أخبرهم بقرب الربّ تعالى من عباده وإجابته لسائليه ترغيبا لهم في الإِيمان والطاعة، وترك الشرك والمعاصي. هذا ما تضمّنته الآية الأولى (61).
أما الآية الثانية فقد تضمنت ردَّ القوم عليه عليه الصلاة والسلام
إذ قالوا بما اخبر تعالى عنهم: {يا صالح قد كنت فينا مرجاً قبل هذا} أي عنا نأمل فيك الخير ونرجوا أن تكون سيداً فينا حتى فاجأتنا بما تدعونا إليه من ترك آلهتنا لإِلهك ثم أنكروا عليه دعوته فقالوا:
{أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا} وأخبروه أنهم غير مطمئنين إلى صحة ما يدعوهم إليه من توحيد الله تعالى فقالوا :{وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب} أي موقع في الريب وهو اضطراب النفس وعدم سكونها إلى ما قيل لها أو أخبرت به هذا ما تضمنه الآية الثانية (62).
أما الآية الثالثة (63) فقد تضمنت دعوة صالح عليه الصلاة والسلام لقومه بأسلوب رفيع رغبة منه في أقامة الحجة عليهم لعلهم يؤمنون ويوحدون إذ قال بما أخبر الله تعالى في قوله:
{قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربّي} أي على علم يقيني بالإِيمان بربي ووجوب عبادته وتوحيده وآتاني منه رحمةً وهي النبوة والرسالة، فمن ينصرني من الله إن عصيته اللهم إنه لا أحد أبداً إذاً فإِنكم ما تزيدونني إن أنا أطعتكم في ترك عبادة ربّي والرضا بعباة آلهتكم إلا خساراً وضلالا في هذه الحياة وفي الحياة الآخرة.

.من هداية الآيات:

1- وحدة الوسيلة والغاية عند كافّة الرسل عليهم الصلاة والسلام فالوسيلة عباة الله وحده، والغاية رضا الله والجنة.
2- تقديم الاستغفار على التوبة في الآية سره إن المرء لا يقلع عن ذنبه حتى يعترف به.
3- بيان سنة في الناس وهي أن المرء الصالح يرجى في أهله حتى إذا دعاهم إلى الحق وإلى ترك الباطل كرهوه وقد يصارحونه بما صارح به قوم صالح نبيّهم إذ قالوا :{قد كنت فينا مرجواً قبل هذا}.
4- حرمة الاستجابة لأهل الباطل بأي نوع من الاستجابة، إذ الاستجابة لا تزيد العبد إلا خساراً.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

‏الأحد, ‏28 ‏ذو القعدة, ‏1438

تفسير سورة هود عليه السلام

.تفسير الآيات (64- 68):

{وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)}
.شرح الكلمات:

{آية}: أي علامة على صدقي فيما جئتم به من أنه لا إله إلا الله.
{فذروها تأكل في أرض الله}: أي اتركوها ترعى في المراعي غير المحميّة لآحد، منه.
{فعقروها}: أي قتلوها بالعقر الذي هو قطع قوائمها بالسيف.
{تمتعوا في دياركم}: أي ابقوا في دياركم تأكلون وتشربون وتتمتعون في الحياة ثلاثة أيام.
{وعد غير مكذوب}: أي صادق لم أكذبكم فيه ولم يكذبني ربي الذي وعدكم به.
{في ديارهم جاثمين}: أي ساقطين على ركبهم ووجوههم.
{كأن لم يغنوا فيها}: أي كأن لم يكونوا بها أمس ولم تعمر بهم يوما.
.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن صالح وقومه.
إنه لما دعاهم صالح إلى توحيد الله تعالى كذبوه وطالبوه بما يدل على صدق مَا دَعَا إليهِ فأجابهم صالح بما أخبر تعالى به في هذه الآية:
{ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية} وذلك أنهم سألوا أن يخرج لهم ناقة من جبل أشاروا إليه فدعا صالح ربّه فاستجاب الله تعالى له وتمخض الجبل عن ناقة عشراء هي عجب في خلقتها وكمالها فقال عندئذ :
{يا قوم هذه ناقة الله} أضافها إلى الله أنها كانت بقدرته ومشيئته {لكم آية} أي علامة لكم على صدق ما دعوتكم إليه من عبادة الله وحده وترك عباة الأوثان، فذروها تأكل في أرض الله أي خلّوها تأكل من نبات الأرض من المراعي العامة التي ليست لأحد، ولا تمسوها بسوء كعقرها أو ذبحها وقتلها فيأخذكم عذاب قريب قد لا يتأخر أكثر من ثلاثة أيام، فكذبوه فعقروها فلما رأى ذك قال لهم بأمر الله:
{تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} أي عِيشوا فيها.
{ذلك وعد غير مكذوب} أي ذلك الوعد وعد صادق غير مكذوب فيه. هذا ما دلت عليه الآيتان (64- 65) .
وقال تعالى: {فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا} أي لما اكتملت المدة التي حُددت لهم وجاء أمر الله بعذابهم نجى الله تعالى رسوله صالحاً والمؤمنين برحمة منه أي بلطف ونعمة منه عز وجل وقوله: {ومن خزي يومئذ} أي ونجاهم من ذلك ذلك اليوم وعذابه، وقوله: {إن ربّك قوي عزيز} أي إن ربك يا محمد صلى الله عليه وسلم قوي إذا بطش عزيز غالب لا يُغلب على أمر يريده. هذا ما دلت عليه الآية الثالثة (66) .
وأما الآيتان بعدها فقد أخبر تعالى فيهما عن هلاك ثمود بقوله:
{وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين} أي إنّ الذين أشركوا بربهم وكذبوا بآياته أخذتهم الصحية فانخلعت لها قلوبهم فهلكوا وأصبحوا في ديارهم جاثمين على ركبهم كأن لم يغنوا بديارهم ولم يعمروها قال تعالى: {ألا إن ثموداً كفروا ربّه ألا بعداً لثمود} أي هلاكاً لثمود، وبهذا التنديد والوعيد بعد الهلاك والعذاب المخزي انتهت قصة صالح مع قومه ثمود الذين آثروا الكفر على الإِيمان والشرك على التوحيد.
.من هداية الآيات:

1- إعطاء الله تعالى الآيات للمطالبين بها لا يستلزم الإِيمان بها.
2- آية صالح عليه السلام من أعظم الآيات ولم يؤمن عليها قومه.
3- إقامة ثلاثة أيام لا يعد صاحبها مقيما وعليه أن يقصر الصلاة.
4- شؤم الظلم وسوء عاقبة أهله.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

‏الإثنين, ‏29 ‏ذو القعدة, ‏1438

تفسير سورة هود عليه السلام


.تفسير الآيات (69- 73):

{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)}
.شرح الكلمات:

{بالبشرى}: أي بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب.
{فما لبث}: أي ما أبطأ.
{بعجل حنيذ}: أي مشوي على الحجارة.
{لا تصل إليه}: أي لم يتناوله فيأكلوا منه.
{نكرهم}: أي لم يعرفهم.
{وأوجس}: أي أحس بالخوف وشعر به.
{لوط}: هو ابن هاران أخي إبراهيم عليه السلام.
{يا ويلتا}: أي يا ويلتي أحضري هذا أوان حضورك.
{وهذا بعلي شيخا}: إشارة إلى إبراهيم إذ هو بعلها أي زوجها.
{إن هذا لشيء عجيب}: أي أمر يتعجب منه استبعاداً له واستغراباً.
.معنى الآيات:

هذه بشارة إبراهيم عليه السلام التي بشره الله تعالى بها إذ قال تعالى: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى} والمراد بالرسل جبريل وميكائيل وإسرافيل، إذ دخلوا عليه داره فسلموا عليه فرد عليهم السلام وهو معنى قوله تعالى: {قالوا سلاماً فقال سلام} وقوله تعالى: {فما لبث أن جاء بعجل حنيذ} أي لم يبطأ حتى جاء بعجل مشوي فحنيذ بمعنى محنوذ وهو المشوي على الحجارة. فقربه إليهم وعرض عليهم الأكل بقوله: {ألا تأكلون} فلما رأى أيديهم لا تصل إليه أي لم يتناولوه نكرهم بمعنى أنكرهم وأوجس منهم خيفة لأن العادة أن الضيف إذا نزل على أحد فقدم إليه طعاماً فلم يأكل عرف انه ينوي شراً ولما رأت الملائكة ذلك منه قالوا له لا تخف وبينوا له سبب مجيئهم فقالوا إنا أرسلنا إلى قوم لوط أي لإِهلاكهم وتدميرهم بسبب إجرامهم.
وكانت امرأته قائمة وراء الستار تخدمهم مع إبراهيم.
فلما سمعت بنبأ هلاك قوم لوط ضحكت فرحاً بهلاك أهل الخبث فعندئذ بشرها الله تعالى على لسان الملائكة بإسحاق ومن بعده يعقوب أي بولد وولد ولد، فلما سمعت البشرى صكت وجهها تعجبا على عادة النساء وقالت :{يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلى} تشير إلى زوجها إبراهيم {شيخا} أي كبير السن إذ كانت سنة يومئذ مائة سنة وسنها فوق التسعين. {إن هذا لشيء عجيب} أي ولادتي في هذه السن أمر يتعجب منه. {قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} أي ذو مجد وثناء وكرم.
وامرأة إبراهيم المبشرة هي سارة بنت عم إبراهيم عليه السلام، والبشارة هنا لإبراهيم {إنه حميد مجيد} أي محمود بإِفضاله وإنعامه عليكم {مجيد} أي ذو مجد وثناء وكرم. وامرأة إبراهيم المبشرة هي سارة بنت عم إبراهيم عليه السلام، والبشارة هنا لإبراهيم، وزوجه سارة معاً وهي مزدوجة إذ هي بهلاك الظالمين، وبإسحاق ويعقوب.
.من هداية الآيات:

1- استحباب تبشير المؤمن بما هو خير له ولو بالرؤيا الصالحة.
2- مشروعية السلام لمن دخل على غيره أو قوف عليه أو مرّ به ووجوب رد السلام.
3- مشروعية خدمة أهل البيت لضيوفهم ووجوب إكرام الضيف وفي الحديث الصحيح: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».
4- شرف أهل بيت إبراهيم عليه السلام.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mohamadalzabe.yoo7.com
 
تفسير سورة هود -3-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشيخ محمد امين الزعبي :: دراسات قرآنية-
انتقل الى: